فلننفضْ ثمّ فلننتفضْ
&&&&
لا يوجد أمّة تتخبط في تراثها و قراءته و فهمه و الاستنباط منه مثل أمتنا ..و المشكلة كل المشكلة أن كل من يستنبط و يفهم يدّعي أن فهمه هو الصحيح و أن الحقيقة تجري على لسانه مع أنه يقول لك أيضًا : رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب ..وعند النقاش و الأخذ والرد تدرك أنه يتصرّف معك على أن رأيه لا يحتمل الخطأ إطلاقًا ..بل عندما تخالفه فأنت في نظره إمّا مش فاهم ..أو بدكش تفهم ..أو مغرر بك ..أو ضال أو مضل ..أو و أو ..المهم أنت متهم على كل اتجاه..
تراثنا مليء بالعجائب ..ومليء بالصدمات ..ومليء بالدسائس ..ومليء بالقرارات السياسية التي تحوّلت إلى دين ..ومليء بالتقديس لأشخاص لا قدسيّة لهم ..ومليء بالمصالح المرسلة و غير المرسلة ..ومليء بالشذوذ..و مليء بالدم غير المبرر ..و مليء بالقتل المجاني ..ومليء بالأبطال المزيّفين ..ومليء بقرارات الفرد الواحد ..ومليء بالشبهات..ومليء بالضياع و الشتات ..!!
إذا أردنا أن نصل إلى جوهرنا الحقيقي فعلينا أولًا أن نعترف بأن تاريخنا ليس نظيفًا ..والصورة الوردية المرسومة مسبقًا عنه ليست صحيحة ..وأن ما علّمونا إياه في المدارس و الجامعات و الصحف و التلفزيونات ليس الحقيقة ..بل هو الوجه الحسن ..و أن أبطالنا و رموزنا الذين عشنا معهم في التراث و التاريخ إنما اجتزأنا صورتهم من سياقات متسلسلة أخفيناها عن كل أجيالنا التي تفاجأت بكل هذا التطرف و هذا العنف القادم من صناديق التراث ..لذا يُصدم الجيل الجديد ..
نحن بحاجة إلى نفض ومن ثم انتفاضة فكريّة ..والنفض قبل الانتفاضة ..فلن يفيدنا أن ننتفض ونحن نحمل آراءً و أحكامًا مسبقًا ..نريد أن ننظّف أنفسنا قليلًا من عوالق الأحكام الجاهزة و ننطلق لنغربل كل شيء ؛ كي نستطيع الوصول إلى بداية الطريق الواضحة ..
تعالوا ننفضْ ثمّ ننتفضْ ..
&&&&
كامل النصيرات
المقال المنشور اليوم في جريدة الدستور
للتواصل على الواتس (٠٧٩٩١٣٧٠٤٨)
(( ملاحظة مهمّة: المقالات تعبّر عن وجهة نظر الكاتب فقط ولا تشتبك أو تتصارع مع وجهات النظر المخالفة لها بل تحترمها ))