الدكتور احمد الهباهبه – هلا نيوز
سبحان الله لكل شي حساب ومنظومة ثابتة مفصولة عن الاخرى، وكيانها مستقل ذاتياً فالحمدلله على نعمة الاسلام الذي انعمها على عباده وانزل القران في هذا الشهر الفضيل وانزل معه معجزات القران .
الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم
يمثّل القرآن الكريم معجزةً خالدةً بألفاظه وبيانه وأحكامه، وقد لفت انتباه بعض الباحثين والمهتمّين ما يُعرف بـ«الإعجاز الرقمي»، أي محاولة الكشف عن علاقاتٍ رقمية بين بعض الألفاظ والآيات في المصحف الشريف. ينتشر في هذا السياق العديد من الأمثلة التي يوردها البعض للدلالة على دقّة القرآن وعظمته، ومن أبرزها ما يُذكر حول تكرار ألفاظ معينة بعددٍ محدد، مثل:
- تكرار لفظ “يوم”: يُقال إنّ لفظ “يوم” جاء في القرآن الكريم 365 مرّة، وهو عدد أيام السنة الشمسية.
- تكرار لفظ “شهر”: يُقال إنّ لفظ “شهر” تكرّر 12 مرّة، وهو عدد أشهر السنة.
- ألفاظٌ متقابلة: كـ”الحياة” و”الموت”، و”الدنيا” و”الآخرة”، و”الرجل” و”المرأة”، يُقال إنّ كلًّا منها تكرّر بعددٍ متساوٍ.
- ألفاظٌ في سياق الدعاء والتضرّع: كدعاء سيدنا يونس في بطن الحوت، أو دعاء سيدنا أيوب في الضرّ؛ وهناك من يشير إلى جوانب رقمية في ترتيب تلك الآيات أو تكرار بعض الألفاظ داخلها.
ورغم أنّ هذه الأمثلة تشيع في بعض المحاضرات والمقالات، إلا أنّ هناك اختلافًا بين الباحثين حول دقّة الأرقام وطريقة إحصائها. فالبعض يرى أنّ الاعتماد على أشكالٍ معيّنة للكلمة (مفرد، جمع، مشتقّات) قد يؤدي إلى اختلاف النتائج، كما أنّ إدخال كلماتٍ مثل “يومكم” أو “أيام” ضمن تعداد “يوم” قد لا يتّفق عليه الجميع.
أهمية الموضوع
- تقوية الإيمان وتعزيز التدبّر: يرى المؤيّدون لفكرة الإعجاز الرقمي أنّها وسيلةٌ لزيادة اليقين بعظمة القرآن، وتحفيز المؤمنين على تدبّر آياته والغوص في معانيه.
- الفت الانتباه إلى دقّة القرآن: إذ تطرح هذه الدراسات فرضية أنّ التطابق العددي ليس عشوائيًّا، بل هو دليلٌ على الإحكام والإتقان في النصّ القرآني.
التحفّظات العلمية
- اختلاف طرق العدّ: قد يعتمد باحثٌ على جذر الكلمة، وآخر يحسب تصريفاتها، فيخرج بنتائج مختلفة.
- القراءات القرآنية: هناك قراءاتٌ متواترة للقرآن قد تختلف فيها بعض الألفاظ حروفًا أو رسمًا، ما يغيّر أحيانًا من حسابات التكرار.
- الانتقائية: قد ينتقي بعض الباحثين ألفاظًا توافق نظريتهم، ويتغاضون عن ألفاظ أخرى لا تُظهر نتائج مطابقة.
التوازن في النظرة
- لا شكّ في أنّ القرآن معجزٌ بلفظه ومعناه، وأنّ الله تعالى حفظه من التحريف.
- مع ذلك، ينبغي التعامل مع قضايا الإعجاز الرقمي بحذرٍ علمي، والتأكّد من منهجية الإحصاء قبل قبول أي نتيجة، حتى لا نحمّل النصّ القرآني ما لم يقصده، أو نعتمد على حساباتٍ غير دقيقة.
- الأصل هو تدبّر آيات القرآن والعمل بأحكامه، وتعلّم علومه المتفق عليها، كالتفسير والفقه واللغة، فهذه أبوابٌ ثابتةٌ لتعميق الإيمان وتعزيز فهم كلام الله.
يظلّ القرآن الكريم كتابًا عظيمًا نزل بلسانٍ عربي مبين، محفوظًا من التبديل، مليئًا بالعِبر والأحكام. وإن كانت هناك دراساتٌ حول الإعجاز الرقمي قد تُلفت النظر إلى دقّة الألفاظ وتناسقها، فإنّ الخلاف حول بعض نتائجها يدعونا إلى التروّي والتحرّي العلمي. وفي كلّ الأحوال، يبقى تدبّر القرآن وفهم مقاصده الأخلاقية والتشريعية هو الغاية الكبرى التي ينبغي أن ينشغل بها المسلمون، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يفتح لنا أبواب فهم كتابه والعمل به.