حينما حُسم الأمر باختيار العلوم السياسية وصرتُ وجهًا لوجه أمام التسجيل لهذا الفصل والمواد كلّها أمامي مع أسماء دكاترتها؛ رأيتُ اسم “محمد أبو رمّان”.. قلتُ لنفسي: معقول محمّد ما غيره..؟ والله ما غيره..! الوزير الأسبق والصديق القديم منذ نشأة النضج لي وله.. فرقتنا شوارع الأردن.. وكنتُ أتابع أخباره بعناية وأقرأ غالبية ما يكتبه..!
اخترته دون النظر للمادة التي يعطيها.. فأنا أريد أن أكون طالبًا عنده.. أريد أن أختبر شعوري وأنا أدخل القاعة وهو واقف أمام الطلاب.. بل أريد أن أرى ردّة فعله حينما يعرف أن صديقه الغارق في الوحل والشيب واقع الآن تحت رحمة ما سيمليه عليه..!
وقد كان ذاك.. المادة اسمها “النظرية الديمقراطية”.. يا الله؛ قرأتُ عنها عشرات المرات ولكن كإحاطة وثقافة وليس بتراتبيّة أكاديميّة.. ها أنا أدخل القاعة.. وها هو الدكتور أبو رمّان يدخل بعدي.. رآني.. سألني بدهشة كنتُ أنتظرها: كامل شو جابك ؟ قلت له: طالب عندك يا دكتور.. ولكنه اعتقد إنني أمارس سخريتي.. فقال: لا بالله عليك شو جابك.. حاب تحضر محاضرة عندي؟ فأجبته بطريقة حاسمة: والله يا دكتور إني طالب عندك وإذا معك كشف الطلاب ستجد اسمي فيه وأنا اخترتك اختيارًا..! بدأ يستسلم لفكرة إني طالب وعنده.. ولكن آثار الغرابة والدهشة ما زالت على محيّاه الدونجواني.. وبدأ يقول للطلاب: أتعرفون من هذا؟ وأكمل كلامًا عنّي أخجل من إعادته لأنه تعظيم بذاتي ومكانتي..!
وللصدق.. تفاجأت بطريقته في إعطاء المحاضرة.. ديمقراطي على الآخر.. بل على آخر الآخر.. الطلاب بكامل ارتياحهم معه.. ويتبادلون التعليقات والتنهيفات معه.. تفاجأت بكمية السخرية التي يتعامل بها وهذا ما لم أكن أعرفه عنه .. بل إنه اكتشاف جديد.. يتعامل بانفتاح شديد يخاصم الاغلاقات المُتعمّدة عند الدكاترة الآخرين.. ويحوّل المحاضرة إلى عصف ذهني ونقاش متصاعد ..!
سأكتفي اليوم بحكايتي مع الدكتور محمد أبو رمّان.. وسأحاول في اليوميّات القادمة أن أعوّض ما فات من حكايات أخرى تكدّست بفعل الأحداث الدامية الجارية..
انتظروني.
&&&&
كامل النصيرات