في غضون اسبوع قرأت حوالي 10 اخبار لاستقالات حزبية.
فتشت في الاخبار وما وراء الاخبار للوقوف على اسباب ودوافع الاستقالات الحزبية. و الاخبار كما نشرت في الاعلام جاءت قصيرة ومقتضبة وكلماتها محدودة.
وجدت نفسي مضطرا الى الوقوف وراء خبر يكاد ان يتحول الى تسونامي وظاهرة تغزو الاحزاب الاردنية، وعنوانها الاستقالة.
انا لست حزبيا، وكلما فكرت بالانخراط في العمل الحزبي دوافع ذاتية عقلانية تدعوني الى التريث والصبر.
و الاستقالة في المعنى والسياق السياسي والحزبي لها عنوان مختلف ومغاير.. والاستقالة الحزبية ليست كما يقال عن استقالة من وظيفة رسمية واستقالة مهنية. في الحزب الاستقالة تتعلق في برنامج ومشروع وايدولوجيا.. وهي متعلقة في افكار وتربية سياسية، وبخلاف ذلك، فاسمحوا لي ان لا اسميها استقالة، ولا اسمي الحزب حزبا. و لكي تعيد النظر في فكرك وموقفك السياسي سواء كنت ليبراليا او يساريا او اسلاميا، وذلك يحتاج الى اعوام في المراجعة والدراسة والتمحيص، والغربلة الذهنية والفكرية، والسياسية.
البعض انزياحه الفكري والسياسي قد يكون اعلان توبة بالمعنى الديني وقطيعة مع ايديولوجيا ما.. والموضوع في المجتمعات السياسية الناضجة والحية ومكتملة النمو الديمقراطي والسياسي ليس تعبيرا عن نزوات غرائزية واستهلاكية. تسونامي وظاهرة الاستقالات الحزبية المفاجئة تنذر مسبقا في ازمة بسرعة ولادة الاحزاب الاردنية، وازمة اخرى في بناء الحياة الحزبية الاردنية، وازمة مستقبلية تتعلق في نضوج وجاهزية الاحزاب سواء لخوض الانتخابات النيابية وغيرها من استحقاقات المشاركة الحزبية في الحياة السياسية العامة الاردنية. قد يجد منتسب وعضو في حزب ما نفسه امام ضرورة الاستقالة من الحزب.. ولكن، من المهم ان نعرف ما هو الدافع وراء الاستقالة، وليس الامر كما يحدث مرتبطا بانتساب خلال دقائق الى الحزب واستقالة بثوان.
الحزبية سياسيا تربية، وليست قفزا في الهواء.. وعندما تنتسب لحزب فانت ترتبط بلون سياسي، وترتبط بمشروع وافكار، وثقافة ووعي ما.. وانت في مؤسسة لها تقاليد وانماط سلوك، ومرجعيات. و لذا فان السياسي عندما يفوز في الانتخابات فإنه يحاسب ويقيم على ضوء ادبيات ومشروع حزبه.
حقا، ان خبر الاستقالات الحزبية مثير للعطف والشفقة والالتباس، وكم هو غريب ! في السبعينات وايام الاحكام العرفية، عندما تضبط الحكومة شخصا متلبسا بالانتساب الى حزب، يجبر على اعلان التوبة وينشر في الصحف براءته من الحزب، ويفعل في حياته عكس كل ما هو مربوط في افكار وايدولوجيا الحزب.
و سمعت قصة حزبي تائب، وهي قصة حقيقية عن حزبي ضبط متلبسا بالانتساب الى الحزب الشيوعي الاردني، وايامها كان الاردن يطبق قانون «محاربة الشيوعية».. والحزبي المضبوط لكي يعلن توبته، ربى لحية ولبس دشداشا، وتحول الى امام لمسجد القرية، وصار يخرج مع رجال الدعوة.
انا، لست مستغربا من اخبار استقالات احزاب الاردن، والاتي اظرف واشد غرابة..