د. أحمد الهباهبه
جاء خطاب العرش الملكي ليؤكد من جديد على الثوابت الوطنية في مختلف الملفات التي تمس جوهر المصلحة الأردنية، إذ طرح جلالة الملك عبدالله الثاني أمام المجلس النيابي العديد من المسؤوليات التي ستحدد مسار الأردن في المرحلة القادمة. من أبرز هذه المسؤوليات كان التحديث السياسي، الذي يعتبر محورا أساسيا في رؤية جلالته للمستقبل، حيث يعول جلالته بشكل كبير على فئتي الشباب والمرأة في إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، وتمكينهما من تولي الوظائف العامة. في هذا السياق، لامس جلالته ما يريده الأردنيون بتأكيده على هوية الدولة الأردنية التي بنيت على أسس عربية صادقة، مشدداً على أن المملكة لا يمكن أن تتخلى عن مبدئها أو تغامر في مستقبلها.
وقد وضع جلالته الحكومة والبرلمان أمام مسؤوليات كبيرة، داعياً إلى ضرورة العمل الجماعي بما يحقق المصلحة العليا للمواطنين. كما أن جلالته كان حاسماً في ما يتعلق بموقف الأردن الثابت إزاء القضية الفلسطينية، إذ أكد على أن الأردن سيظل في مقدمة الدول التي تدافع عن حقوق الأشقاء الفلسطينيين، وأن هذا الموقف لا يقبل أي تشكيك. فمن خلال الخطاب، سعى جلالته لتوضيح حقيقة التوأمة بين الأردن وفلسطين، ليس فقط على الصعيد الرسمي ولكن على المستوى الشعبي أيضاً، وهو ما يعكس التلاحم العربي والإنساني بين الشعبين.
كما أن الخطاب الملكي لم يكن مجرد حديث عن المبادئ السياسية، بل كان أيضاً توجيهاً عملياً نحو مسار عمل طويل المدى. فقد أكد جلالة الملك على أهمية تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه كاملة، وعلى أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس هي حق تاريخي وقانوني لا يمكن التنازل عنه. كما جدد جلالته التأكيد على أن الأردن سيظل ملتزماً بكل طاقاته لدعم حقوق الفلسطينيين وتحرير الأراضي المحتلة، خصوصاً في غزة التي تشهد أزمات إنسانية عميقة، ليبقى الأردن هو السباق في تقديم المساعدات الإنسانية عبر شتى الطرق.
ما من شك أن خطاب العرش كان بمثابة طمأنة للشعب الأردني بأن الأردن قادر على مواجهة التحديات التي تطرأ عليه من الداخل والخارج. فرغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والحدود الملتهبة، فإن الأردن سيظل في موقعه الثابت في السعي لتحقيق السلام وحماية المصالح الوطنية. كما أن الخطاب كان بمثابة دعوة للمجلس النيابي للعمل الجاد على تنفيذ سياسات الإصلاح الثلاثة التي تشمل التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وهي المحاور التي تضمن استدامة النمو والرفاهية في الأردن.
إضافة إلى ذلك، كان جلالته قد أبرز أهمية التحديث السياسي باعتباره أساساً لبناء دولة ديمقراطية قائمة على الأفكار والبرامج، حيث أكد على تعزيز دور الأحزاب السياسية وتوسيع مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية. هذه الرؤية تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العمل الديمقراطي المؤسسي الذي يعزز المشاركة الفاعلة ويجعلها أساساً في رسم السياسات الوطنية.
أما فيما يخص التحديث الاقتصادي، فقد شدد جلالة الملك على أهمية تحويل الاقتصاد الأردني إلى اقتصاد حديث قادر على مواجهة التحديات العالمية، عبر رفع معدلات النمو وتمكين الشباب، الذين هم عماد المستقبل، من أداء دور قيادي في المرحلة القادمة. كما أكد جلالته على ضرورة تحقيق العدالة الإدارية، وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية من خلال تحديث القطاع العام، وهو ما يعكس التزام الدولة بتطوير خدماتها وتحقيق الكفاءة والنزاهة في الإدارة العامة.
في الختام، كان خطاب العرش بمثابة خارطة طريق واضحة لجلالة الملك نحو بناء مستقبل أردني مشرق ومستدام. إذ يمثل التحديث السياسي والاقتصادي والإداري حجر الزاوية في تحقيق هذه الرؤية، وهو ما يفرض على جميع الأطراف العمل بتنسيق مستمر وتنفيذ سياسات تخدم مصالح الشعب الأردني وتؤسس لعلاقات عربية ودولية متينة.