د. أحمد الهباهبه
طالبت نقابة أصحاب مكاتب استقدام واستخدام العاملين بالمنازل من غير الأردنيين وزارة العمل بالتريث في تنفيذ قرارها القاضي بمنح تراخيص جديدة لمكاتب استقدام العمالة المنزلية، وذلك حتى يتم وضع استراتيجية واضحة وشاملة للتعامل مع التحديات التي يواجهها القطاع. هذه المطالبة تأتي في ظل الأزمة التي يعاني منها قطاع استقدام العمالة المنزلية بسبب ارتفاع التكاليف، وزيادة عدد العاملات الهاربات، وغياب التأمين الذي يمكن أن يعوض المواطنين عن خسائرهم في حال رفض العمالة المنزلية العمل أو فرارها.
أزمة القطاع: خسائر متزايدة وتراكم التحديات
يعاني قطاع استقدام العمالة المنزلية في الأردن من مشكلات كبيرة تزداد سوءًا بمرور الوقت. رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العمالة المنزلية، أحمد الفاعوري، أشار إلى أن عددًا من مكاتب الاستقدام قد بدأت بالفعل بإنهاء خدمات موظفيها في محاولة لتقليل النفقات، في ظل عدم وجود خطط واضحة من قبل وزارة العمل لدعم القطاع أو الحد من الخسائر المالية التي لحقت به. يأتي هذا في ظل غياب التنسيق والتشارك في اتخاذ القرارات بين الوزارة والنقابة، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلات.
أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع هو قرار وزارة العمل بفتح باب التراخيص لمكاتب جديدة، دون أن يكون هناك خطة متكاملة للحد من ظاهرة فرار العمالة المنزلية. وبحسب الفاعوري، فإن ظاهرة فرار العاملات المنزليات أصبحت مشكلة رئيسية، حيث تصل أعداد العاملات الهاربات إلى نحو 12 ألف عاملة من أصل 50 ألف عاملة منزلية موجودة في الأردن.
دور السماسرة وظاهرة التشغيل بالمياومة
تسهم مجموعة من العوامل في تفاقم مشكلة فرار العمالة المنزلية، ومن بينها دور السماسرة الذين يعملون على تشغيل العاملات الهاربات بنظام العمل اليومي (المياومة)، وهو أمر شائع في السوق الأردني على الرغم من كونه غير قانوني. هذه الظاهرة تجذب عددًا كبيرًا من المواطنين، الذين يفضلون التعامل مع عاملات بنظام المياومة بدلاً من تحمل تكاليف الاستقدام الباهظة التي تفرضها مكاتب استقدام العمالة المنزلية. لكن هذا الوضع غير المستقر يزيد من العبء على العاملات، ويفاقم المشكلة الاقتصادية التي تواجه المكاتب الشرعية العاملة في هذا القطاع.
تتفاقم هذه المشكلة بسبب عدم وجود جهة تأمينية تغطي خسائر المواطنين في حال فرار العاملات أو رفضهن للعمل. ورغم المطالبات المتكررة من قبل النقابة لتفعيل التأمين منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن وزارة العمل ترفض حتى الآن تفعيل هذا التأمين، وهو ما يجعل المواطنين في موقف ضعيف في حال فقدانهم للعاملات المنزليات.
مطالبات بإصلاحات هيكلية وفتح أسواق جديدة
دعا أحمد الفاعوري وزارة العمل إلى عدم منح تراخيص جديدة لمكاتب الاستقدام قبل حل القضايا العالقة وتطوير استراتيجية مشتركة لتحسين قطاع العمالة المنزلية. أحد الحلول التي يطرحها الفاعوري هو فتح أسواق جديدة لاستقدام العمالة المنزلية بتكاليف أقل، وذلك لتشجيع المواطنين على استقدام العمالة بشكل قانوني ومنظم، بدلاً من اللجوء إلى السوق غير النظامية.
بالإضافة إلى ذلك، طالب الفاعوري بتفعيل نظام التأمين على فرار العاملات أو رفضهن العمل، بحيث يتمكن المواطنون من استرداد جزء من التكاليف التي يتكبدونها في حالة وقوع مثل هذه الحوادث. هذا النوع من التأمين سيساهم بشكل كبير في تقليل المخاطر المرتبطة بالاستقدام، ويعزز من ثقة المواطنين في مكاتب الاستقدام.
أثر غياب التشاركية بين الوزارة والنقابة
تفاقم الوضع بسبب غياب التشاركية في اتخاذ القرار بين نقابة مكاتب الاستقدام ووزارة العمل، حيث تعتقد النقابة أن الوزارة لا تأخذ بعين الاعتبار التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع. يشير الفاعوري إلى أن اتخاذ قرارات أحادية من قبل الوزارة، مثل فتح باب التراخيص لمكاتب جديدة، دون التنسيق مع النقابة، يزيد من الأعباء على مكاتب الاستقدام الحالية ويضعف قدرتها على المنافسة في سوق مليء بالتحديات.
كما أن عدم وجود نظام فعال لملاحقة سماسرة العمالة الهاربة يزيد من تعقيد الأمور. وفقًا للنقابة، فإن هؤلاء السماسرة يساهمون بشكل مباشر في فرار العاملات المنزليات وتشغيلهن بشكل غير قانوني. يطالب الفاعوري وزارة العمل باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الظاهرة، وذلك من خلال تعزيز الرقابة وتطبيق العقوبات على المتورطين في تهريب العمالة وتشغيلها بالمياومة.
تأثير فتح تراخيص جديدة على السوق
يشير الفاعوري إلى أن فتح باب التراخيص لمكاتب جديدة قد يؤدي إلى زيادة المنافسة في سوق العمالة المنزلية، ولكنه قد يفاقم أيضًا من المشاكل التي يعاني منها القطاع. حيث أن زيادة عدد المكاتب قد يؤدي إلى تراجع جودة الخدمات المقدمة وارتفاع معدلات الفرار بسبب نقص الرقابة وضعف التنظيم. هذا يمكن أن يجعل من الصعب على المكاتب القديمة الاستمرار في العمل وتحقيق الأرباح، خاصة في ظل عدم وجود خطط شاملة لتنظيم السوق.
ضرورة وضع استراتيجية شاملة للنهوض بالقطاع
تؤكد نقابة أصحاب مكاتب استقدام العمالة المنزلية أن الحل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة يكمن في وضع استراتيجية شاملة تتضمن جميع الجهات المعنية بالقطاع. هذه الاستراتيجية يجب أن تركز على حل المشاكل الرئيسية التي يواجهها القطاع، مثل ظاهرة فرار العمالة، ودور السماسرة في تشغيل العاملات الهاربات، وضرورة تفعيل التأمين لتعويض المواطنين.
كما يجب أن تتضمن الاستراتيجية فتح أسواق جديدة لاستقدام العمالة المنزلية بتكاليف معقولة، وتنظيم السوق بطريقة تضمن حقوق جميع الأطراف، سواء المكاتب أو المواطنين أو العاملات. هذا يتطلب تنسيقًا كاملاً بين وزارة العمل والنقابة، لضمان اتخاذ قرارات تصب في مصلحة القطاع وتساهم في تحسين بيئته التشغيلية.
خلاصة وتوصيات
في النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن قطاع استقدام العمالة المنزلية في الأردن يمر بأزمة تحتاج إلى تدخل عاجل من قبل الحكومة لوضع حلول مستدامة. النقابة تطالب بتأجيل تنفيذ قرار منح التراخيص الجديدة حتى يتم وضع خطة شاملة لتنظيم السوق وحل المشكلات العالقة، وعلى رأسها ظاهرة فرار العاملات ودور السماسرة.
التعاون والتنسيق بين وزارة العمل والنقابة أصبح ضرورة ملحة لضمان تحقيق الاستقرار في هذا القطاع الحيوي، الذي يخدم شريحة واسعة من المواطنين الأردنيين. يتطلب الأمر اتخاذ خطوات جدية لوضع حد للمشكلات المتزايدة، والعمل على تعزيز الثقة بين المواطنين ومكاتب الاستقدام من خلال توفير خدمات ذات جودة عالية بأسعار مناسبة، وضمان حقوق جميع الأطراف المعنية.