عمر كلاب
مجدداً ينفتح الباب واسعاً لتشويه مفهوم التيار المدني ومصطلح العلمانية, فخلال تراشق بين اعضاء حزب تحت التأسيس وردت جملة لتبرير اقصاء مجموعة كانت داخل الحزب, بأنهم يحملون أفكاراً دخيلة, ورد أحد أفراد هذه المجموعة بأنه قام بأكثر من خمسين لقاء مع المؤسسين وهو يحمل نفس الأفكار ويتحدث فيها, وللأمانة الرجل لا يملك غير هذه البضاعة, وهذه ليست جديدة أي التهمة, فقد سبق وأن سمعناها من تيارات متدينة, لغايات إيجاد عدو افتراضي أو هروب من إدانة التطرف الديني، فلجأ رجال دين إلى صب جام غضبهم على التيار المدني أو التيار العلماني حسب تصريحاتهم على منابر رسمية وشبه رسمية دامجين في حربهم أنصار الديمقراطية والقومية والعلمانية في سلة واحدة, كما قال أحد رجال الدين على إذاعة جامعة مرموقة خلال برنامج ديني يفترض به نشر التسامح الديني.
رجل الدين الذي يحمل شهادة الدكتوراة حسب تقديم المذيع ويشغل منصباً لافتاً في دائرة الافتاء، هاجم التيار العلماني والقومي بوصفهم إحدى أدوات تغذية التطرف أولاً, وأحد أبرز أنصار تقزيم المنجزات الوطنية في حماية الدين الحنيف وحماية المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف ثانياً, وبحكم متابعاتي فإنني لم أسمع أو أقرأ إلا عن تعظيم الدور الوطني في حماية المقدسات ونصرة «الأقصى» والمرابطين داخل أسواره، فكيف وأين ومتى قرأ الرجل ذلك أو سمعه دون بقية الأردنيين؟!
المصطلحات التي استخدمها رجل الدين على الإذاعة هي نفسها التي تتردد على مواقع رجال الدين السلفيين وعلى بعض منابر مساجدنا وخلال المقابلات التي نسمعها على الإذاعات والشاشات الرسمية والخاصة وتحديداً البرامج التي يعكف على تقديمها وإعدادها رجال دين أو من هم على حوافهم وكذلك المستثمرون في قطاع الإعلام الديني والبرامج الدينية بعد أن ارتفعت نسبة الاستثمار في الإعلام الديني والمتاجرة بالعواطف الدينية عند البسطاء وثمة منابر إعلامية تمسك عن دفع حقوق العاملين فيها ولكنها تقدم نفسها بوجه ديني.
الانشغال بالهم الاقتصادي للواقع اليومي، فتح الباب لعودة خطاب الكراهية الكامن في صدور بعض من يدعون التدين الذين صمتوا عن مواجهة الإرهاب والتطرف الديني في معركة الدولة مع الإرهاب ولولا مهابة المجتمع الأردني الذي جرح الإرهاب قلبه في مواقف كثيرة لكان لسانهم لاهجاً بدعم التطرف والإرهاب وتغذية التفرقة على أسس مذهبية كما كان سابقاً.
شيطنة التيار العلماني دون وعي وفهم لمعنى العلمانية التي توفر وتؤمن خدمة للدولة وخدمة للدين الحنيف، هي محاولة هروب من استحقاق مواجهة الإرهاب وحرف الحرب عليه إلى جهات غير جهاته، وهي تحمل رسالة تحريضية ضد تيار فكري واسع ساهم في الحرب على الإرهاب بضراوة وطاله بعض الشوائب المتطرفة مثلما طال التطرف معظم التكوينات الفكرية والسياسية، فثمة تطرف حتى داخل اركان السلطة وفي الشارع وفي الملاعب.
عودة خطاب الكراهية والتحريض يدلل على أن التطرف كامن في صدور كثيرة ربما أجبرتها اللحظة الوطنية وصلابة الدولة في حربها على الإرهاب في تغيير جلدها وليس في تغيير مضمونها وفهمها الفكري ولحظة انشغال الدولة باشتعالات الإقليم وتقليل الأضرار على اللحظة الوطنية عادت تلك الأصوات إلى التحريض والى إيجاد عدو افتراضي جديد.
الحرب على خطاب الكراهية والتحريض يبدأ من تجفيف منابعه وروافده أولاً قبل مجابهة انصاره ومنظريه وفتح الباب لخطاب الكراهية والتحريض تحت لافتات جميلة مثل البرامج الدينية التنويرية لا يجمّل الصورة فالمضمون هو الأهم وعلينا جميعاً واجب محاربة هذا الخطاب وليس فتح الابواب لظهوره, وثمة وعي كامن في دوائر الأوقاف والافتاء بالحرب على العلمانية وتشويه صورتها وصورة المؤمنين بها وتحت أعين الوزارة والإعلام الرسمي الذي يفتح الباب لخطاب الكراهية.