رغم أهمية دور المثقّف الحقيقيّ، في مختلف الظّروف التي تواجه مجتمعه، فإنّ ذلك الدّور يتعاظم في اللّحظات الحرجة والفارقة من التّاريخ، حيث يتجلّى اشتباكه الفاعل مع قضايا الأمّة المصيريّة. بينما تواجه الأمّة العربيّة تحديّاً مصيريّاً متمثّلاً في العدوان الصّهيونيّ الغاشم على الأهل في فلسطين عموماً، وفي غزة على وجه التّحديد، من قتل وتدمير ممنهج للبنية التّحتية والصّحيّة، ومحاولات التّهجير القسريّة للشعب الفلسطينيّ، فإنّنا نتوجه بمجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول دور المثقّف الحقيقيّ، وما يُنتظر منه في اللّحظات الحرجة والفارقة من التّاريخ، إلى مجموعة من المثقّفين، ومحطتنا اليوم مع الأديبة الأردنيّة أ. د. سناء الشّعلان (بنت نعيمة)، أستاذة الأدب الحديث ونقده في الجامعة الأردنيّة، والرّئيس الفخري لمنظّمة السّلام والصّداقة الدّوليّة، منظّمة السّلام والصّداقة الدّوليّة، الدّنمارك والسّويد، والحاصلة على جائزة فلسطين العالميّة للآداب للعام 2022 عن مجموعتها القصصيّة (تقاسيم الفلسطينيّ)، ومؤلّفة (حدث ذات جدار) والكثير من الأعمال الإبداعيّة والنّقديّة عن القضيّة الفلسطينيّة.
برأيك، ما الدّور الذي يمكن أن يقوم به المثقّف العربيّ في ظلّ العدوان الغاشم الذي يقوم به الاحتلال في غزة؟
– بصراحة ووضوح ودون تزويق الكلمات الباهتة المتساقطة، أقول: إنّ الدّور المقدّس والأوّل للجميع هو دعم غزّة والنّضال الفلسطينيّ دعماً عسكريّاً، وحمل السّلاح إلى جانبها، والتّقاطر المبارك في درب دعمها ونصرتها في حربها العظيمة المباركة مع الصهاينة ومَن والاهم إلى يوم الدّين، وأيّ دور دون هذا الدّور يجب أن يسانده، وأن يعاضده، وأن ييمّم صوبه؛ انطلاقاً من ذلك مَنْ لا يستطيع أن يحمل السّلاح من المثقّفين والكتّاب ومن دار في فلكهم من طواقم مساندة ومهتمة رسميّة وشخصيّة يجب أن يقوم بالواجب الأعظم الثّاني في هذه المرحلة، وهو دعم القضيّة الفلسطينيّة وتمجيد النضّال في غزّة، وتمجيد دعم مَنْ يقف على رأسهم من فصائل وأفراد ومؤسّسات ودول داخل غزّة وفلسطين وخارجها، وكشف الحقيقة للعالم، وحثّ الأفراد والجماعات والمؤسسّات والدّول في شتّى بقاع العالم على دعم غزّة على المستويات جميعها، وفضح الكيان الصّهيونيّ المحتلّ الذي وارى وجهه الشّيطانيّ ووجوده المتوحّش لعقود طويلة خلف الإعلام العالميّ الذي اشتراه، وساسه نحو مبتغاه هذا، في حين انشغل الإعلام العربيّ بتوافه الأمور وسقطها، وحاد عن دوره الأهمّ في دعم قضايا الأمّة، وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة.
بينما لم تزل أصوات بعض المثقفين خافتة، حيال ما يجري في غزّة، فإن بعض أصوات صناع المحتوى الجاد والملتزم في الفضاء الرقمي راحت تعلو وتعلو، وتضطلع بأدوار ريادية ومهمة كان أولى بالمثقفين القيام بها… كيف تقرئين ذلك؟
– في الحقيقة، نجد الإعلام العربيّ والعالميّ وحتى دور المثقّفين والكتّاب العرب على وجه الخصوص هو دون المأمول في هذه المرحلة المصيريّة، في إزاء المواقف الفرديّة التي يقوم بها صنّاع الإعلام على المستوى الفرديّ بمن نطلق عليهم (السوشل ميديا/ Social Media) الذين يقومون بأدوار مهمّة وخطيرة في فضح جرائم الكيان الصّهيونيّ الغاشم، ويعرّون مخازيه، ويبرزون هزيمته النّكراء، ويوثّقون جرائمه في حقّ المدنيين العزّل في غزّة وفي سائر مناكب فلسطين المحتلّة، وهم حقيقة مَنْ قاموا بإيقاظ العالم بجهودهم الإعلاميّة التّواصليّة الخطيرة، وبشتّى اللّغات حتى شهد العالم في هذه اللّحظات أكبر صحوة وهزّة في تاريخه المعاصر كلّه بما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة، وأعاد للنّضال الفلسطينيّ ألقه، ووضعه في مكانه الطّبيعيّ من الاهتمام والتّقدير والدّعم، وجعل الشّعوب في أصقاع العالم كلّه تخرج إلى الشّوارع صارخة بغضب في وجه حكوماتها المتصهينة التي تدعم الآلة الحربيّة الصّهيونيّة المستعمرة على حساب أجساد قتلى غزّة وفلسطين والكثير من الأحرار في هذا الكوكب إرضاءً للصّهيونيّة المتوحّشة، وذلك كلّه بتموين من جيوب دافعي الضّرائب في العالم، وعلى رأسهم الشّعب الأمريكيّ الذي ضّلله الإعلام الصّهيونيّ لسنين عدّة، لكن بفضل جهود (السوشل ميديا/ Social Media) على أيدي الأحرار في كلّ مكان في أرجاء المعمورة، وعلى رأسهم أهل غزّة الشّجعان لا سيما الشّباب والشّابات وطواقم الإعلام هناك الذين يوثّقون جرائم العدوّ الصّهيونيّ أوّل بأول، ويبثّونها مباشرة إلى العالم ليرى هذه الملحمة البطوليّة التي يسطّرها الشّعب الغزّيّ تحت راية النضّال القّسّامي إلى جانب الفصائل التي تدعمه في داخل فلسطين وخارجها في ملحمة بطوليّة لا نظير لها في الوجود البشريّ كاملاً على وجه الأرض.
فكيف يقف أفراد قلّة مسلّحون بأقلّ الأسلحة عدداً وتطوّراً بصدور عارية وأقدام حافية فوق حطام بيوتهم ودماء شهدائهم وبطونهم فارغة والمطر يلفحهم ببرده القارص وسط حرمانهم من الماء والطّعام والوقود والعلاج والنّوم والأمن والأهل ليردّوا جيوش العالم كلّها التي جاءتْ مدجّجةً بالظّلم والطّغيان والأسلحة الفتّاكة والكراهيّة ورغبة الانتقام والإبادة.
المثّقف الذي لم يجارِ هذا الموقف، ويقدّم دعماً يليق به آل إلى الظّل الأسود المشين إلى أبد الآبدين، فقد سقط في عار أكبر سيظلّ يلازمه طوال العمر، وسوف لن يغفره له القادم المنتصر للمجاهدين في غزّة وفلسطين إنْ شاء الله تخلّيه عن دور هذا، وسوف تحاسبه الأجيال المقبلة على خيانته هذه.
أمّا مَنْ لعب دور تقديم الحقائق وفضح الآلة الصّهيونيّة وفضح (أمّها) أمريكا وفضح لكلّ مَنْ والاهم من متصهيني العالم والعرب، فقد انتصر لغزّة ولجهادها المقدّس، كما انتصر للكرامة والحقيقة والعدالة وحقّ فلسطين في طرد عدّوها الغاشم عن أرضها، وبالتّالي هو انتصر لإنسانيته ووجوده وقومه وتاريخه ومستقبل أبنائه.
في ظلّ التحديات العظيمة التي يواجهها أهلنا في فلسطين بعامة وفي غزّة بخاصة، ما هي الرسالة التي ترغبين بإيصالها، كأدبية اتخذت من القضية الفلسطينية عنوانا رئيسا لها في مجمل تجربتك الإبداعية؟
– الآن المساحات الإنسانيّة باتتْ واضحة دون تزين وعمليّات تجميل للمواقف؛ والوجود كلّه انقسم بشكل واضح في طرفين لا ثالث لهما، ولنا الآن أن نستعير المقولة الأمريكيّة المتوحّشة التي تقول صراحة: مَنْ ليس معنا فهو ضدّنا.
كذلك مَنْ لا يقف الآن مع الجهاد الفلسطينيّ المقدّس هو ضدّه، وهذا خيانة ما بعدها خيانة، وهي خيانة مضاعفة من طرف المثقّفين وأهل المعرفة والعلم والتّربية والإصلاح والتّوجيه والتأثير والفقه؛ لأنّهم قاموا بخيانة مزدوجة يندى لها الجبين عاراً إنْ لم يدعموا جهاد المجاهدين في غزّة، وجهاد المجاهدين من المساندين لهم من مجاهدي الدّنيا وأشرافها، وهم قلّة؛ ففي اللّيلة الظّلماء يُفتقد البدر، إلّا أنّ الله غالب في كلّ أمره.