بقلم : أ.د.محمد ماجد الدَّخيّل
مما يعني ذلك ويؤشر إلى إشارات واضحة ومطالب حقيقية بأن هنالك حاجات ماسة وضرورية يحتاجها المواطن الأردني بخاصة وبصورة دائمة ومستمرة من الجهات المختصة بإدارة الإعلام والاتصال المحلي هي حاجته إلى الحصول على المعلومة الدقيقة والرواية الحقيقية والصحيحة والموثوقة ،وحاجته الى الحدث بتفاصيله كما هو وكما حدث .
فهنالك مصطلح إعلامي تركيبي جديد ، درج في أفكار المفكرين والمحللين الإعلاميين وأذهانهم وفي مؤلفاتهم وكتبهم ، وهو مصطلح
“الدراية الاعلامية ” وهذا المصطلح يعني -ليّ-حاجة العقل الإنساني البشري إلى الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة ، دون زيادة أو نقصان أو تحريف أو تصحيف أو مغالطة ، والمعلومة هذه تتموضع في مركزية تركيب العقل البشري ؛ مما يسهل عليه أي العقل البشري مسألة التفكير بها وقدرته على تحليلها الصائب وتصديقها ، وإذا لم تكن هذه المعلومة دقيقة ، فإننا نترك مساحات وأفقاً شاسعاً للأقوال وللأقلام المريضة الشطط والزلل وتعدد التحاليل والاستنتاجات والنتائج ، فحق الحصول على المعلومة الدقيقة يغلق الأبواب على كتّاب الصحف والأقلام الضعيفة ويؤصدها أمام المحللين والناقلين المعلومة دون أمانة ،فالعالم اليوم يتناقل الأخبار والمعلومات والقرارات والأحداث والوقائع كيفما يشاء ، خصوصًا أننا نشهد إعلاميين غير ذي اختصاص ، أيضاً ، أصبحت بيوتنا تزدحم من شدة تنصيب أفراد الأسرة الواحدة أنفسهم برتبة المحللين والاعلاميين الذين لا يشق لهم غبار ، كذلك نشهد قنوات وفضائيات ووسائل اتصال ووسائل إعلامية يروق لنا ما لا نريد ونرغب ، في الوقت الذي يتوفر في كل بيت مالذّ وطاب من تقنيات وتكنولوجيا متطورة وحديثة .
وأما ما يمكن تقديمه للجيل الحالي والجديد هو إقرار مناهج علمية
“التربية الإعلامية والمعلوماتية ” في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا بما يتناسب ومشروع الدولة الأردنية الحداثي والتنويري ( السياسي والاقتصادي والإداري) وتطوير هذه المناهج الدراسية بشكلٍ دائم ، مع ما يرافق ذلك أعضاء هيئات تدريسية متخصصة ومتعمقة بهذا الجانب .
وأما عن التربية الإعلامية والمعلوماتية ، فهي مهارة من مهارات التعامل مع الإعلام من خلال تنشئة جيل فعال قادر على تحليل وتقييم ونقد الرسائل الإعلامية والتعليق عليها بطرق حضارية بعيدةً عن الإساءة والاستهزاء والسخرية والابتزاز والاغتيال الشخصي والاستغلال وطلب الفدية و غيرها من ترسيخ الأمراض النفسية والاجتماعية وتفتيت نسيج مجتمعنا .
وإنّ الرابط الحقيقي بين الحاجة للمعلومة الحقيقية وتنمية مهارة تحليلها بعد فهمها فهو معرفة واستيعاب وتنفيذ وتطبيق “نظرية الفعل التواصلي” ليورغن هابر ماس” ،وهي واحدة من أهم الأعمال في مجال الفلسفة الاجتماعية.
قدّم الباحث والمفكر ” يورغن هابر ماس” نظرية طموحة تسعى لتفسير كيفية تشكيل وتطور العلاقات الاجتماعية والثقافات عبر الفعل التواصلي.
يبدأ “هابر ماس” بتعريف الفعل التواصلي بأنه طريقة أساسية للتواصل بين الأفراد في المجتمع ،واكتشف كيف ينطوي الفعل التواصلي على تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر والأهداف عبر اللغة كأداة أساسية للتعبير والاتصال؛مما يؤدي إلى تشكيل وتعزيز العلاقات الاجتماعية وبناء الثقافات والمجتمعات.
وفقاً “لهابر ماس”فإنّ الهدف الأساسي للفعل التواصلي هو التوصل إلى تفاهم مشترك بين الأفراد، وسعى “هابر ماس” إلى الإجابة على أسئلة معقدة حول الطبيعة الإنسانية والاجتماعية من خلال هذه النظرية . كيف يمكن أن يكون الفعل التواصلي محركًا أساسيًا للتغيير الاجتماعي والثقافي؟
كيف يمكن للناس أن يستخدموا اللغة للتأثير على بعضهم البعض وتشكيل عالمهم؟
هل الفعل التواصلي هو الأساس للتعاون والتوافق الاجتماعي؟
يتناول “هابر ماس” الجانب النظري للفعل التواصلي، ويستكشف تأثيره على التطور الاجتماعي والسياسي،واقترح أن الفعل التواصلي ليس فقط وسيلة للتعبير عن الأفكار والأهداف، بل هو أيضًا وسيلة لتحقيق التغيير والتطور في المجتمع.
“نظرية الفعل التواصلي” ليورغن هابرماس هي دراسة معقدة وعميقة للدور الذي يلعبه الاتصال في تشكيل الحياة الاجتماعية والسياسية. وعلى الرغم من تعقيدات الفعل التواصلي، فإنه قدّم رؤية بعيدة المدى لكيفية تشكيل العلاقات الاجتماعية والثقافات من خلال الاتصال البسيط واليومي.
وهنا يمكن القول بإنّ إعلامنا المحلي والناطقين باسمه يستطيعا تلبية حاجات المواطنين من صحة معلومة يحتاجها في مقابل معلومة تصله لغايات البلبلة والتشويش والتشويه والاغتيال والابتزاز داخلياً وخارجياً من شتى وسائل الإعلام والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى مسمياته المختلفة ، والمعلومة الدقيقة وهي مراد الناس يسهل على المواطنين تصديقها والثقة بها إذا جاءته ووصلته من مصدرها الرسمي ، فالفعل التواصلي اليومي من الجهات الرسمية الإعلامية – أيضاً -سيحقق زيادة أرصدة الثقة بين المواطنين والمسؤولين الرسميين العاملين في الإعلام والاتصال الرسمي على وجه التحديد ، ويصبح إعلامنا المحلي أكثر مصداقية وموثوقية في نظر المواطنين وعيونهم وتفكيرهم وعقولهم وأذهانهم .
وختام القول فإنّ من الضرورة بمكان القول إن العلاقة في الفعل التواصلي الاتصالي بين السائل والمسؤول لا حجاب ولا ستارة ولا حاجز تمنع إقامتها على أساس الواجب الذي تخطه الوظيفة العامة ، والتواصل هو استراتيجية عمل ذات رسالة واضحة بين الرسمي والشعبي بشكل مستمر ، وهي دعوة ملكية سامية ، طالما شدد عليها ، ودعا إليها جلالة الملك الحكومات الأردنية وممثلي الإعلام والاتصال الجماهيري ووسائله المختلفة بشكلٍ دائم واطلاع الناس على كل القرارات والوقائع كي يكون المواطن الأردني شريكاً حقيقياً في اتخاذ القرار المناسب، وكلما انفتح الإعلام والاتصال المحلي على المجتمع الأردني كان شريكاً – أيضاً- في منظومة التحديث والتطوير والتنمية المستدامة بشتى أنواعها ، وكلما كان انتماؤه وإخلاصه أكثر في خدمة وطنه ومليكه وشعبه ، وبالحوار المفتوح بين المواطن والإعلامي الحكومي وبخطاب تفاعلي نضمن أرصدة للثقة التامة لا تسعها بنوك العالم أجمع .