ذات يوم.. تفاجأتُ وأنا أسوق سيّارتي بشارع طويل عريض مليء بمياه المجاري.. شممتُ الرائحة بداية الأمر و اعتقدتُ أن الموضوع طارئ..لكنه استمرّ طويلًا رغم أنني استعجلتُ و استعجلتُ و استعجلتُ ..الرائحة تقلب المعدة ..أريد أن أقيء..! ولم تفلح كل محاولاتي لحبس أنفاسي ..
اعترف إنني بعد أن وصلتُ البيت فشلتُ في نسيان الرائحة.. ليس لأنني فاشل كما يعتقد كثيرون ..بل لأنني ناجح تمامًا في الشعور مع الآخرين ..! قد تسألون : كيف ؟ وما علاقة هذا بهذا ..؟؟ حسنًا ..سأجيبكم بمثالية لن يصدقها كثيرون منكم ؛ لكنها الحقيقة ..والذي يصرّ على عدم التصديق فليراجع قدرته الأخلاقيّة ..:-
لم تكن مشكلتي مع المسافة القصيرة التي اجتزتها بسيارتي وسط المجاري ..بل سؤالي لنفسي السؤال التالي: كيف يعيش الناس الذين سالت المجاري في شوارعهم ؟؟ كيف يتنفسون بشكل صحيح ..؟ كيف يفكرون و يأكلون و ينامون و يتسامرون بشكل صحيح ..؟ ! تصورتُ أن الأمر دائم ..لذا بقيتْ الرائحة عالقة في حواسي استحضارًا ..!
هل يتبلّد الانسان مع الرائحة الكريهة ..؟ هل تصبح تلك الروائح من “العاديّات” و الأشياء التي لا تؤثر على مجرى الأمور ..؟ بالمشرمحي : هل يتبلّد الشمّ و تصبح رائحة رحيق الورود شاذةً و منكرةً و خروجًا عن المألوف ..؟؟!
كل ما حولنا رائحة غير جميلة ..انوفنا مزكومة ..تبلّدت حاسةُ الشمّ ..وإن تبلّد الشمّ ؛صارت رائحة الموتُ أقوى من رائحة الحياة ..و صارت كل القرارات عصبيّة المنشأ ولكنها بتركيز ..لاحظوا (عصبيّة بتركيز) ..!
اعطونا هواءً نقيًّا ..درّبونا عليه ..لكي تعودَ فطرتنا إلينا ..كي نشمّ رائحة رحيق الانسان الذي غطّت عليه كل روائح المخططات التي سكبوها في شوارعنا ..!!
ارجوكم : اخرجونا من مأزق الرائحة.
&&&&
كامل النصيرات