حين ترهقك الدنيا و تضيق عليك الأرض بما رحبت ..تسعى لأن يحتلّك الجمالُ و أن يسكن تفاصيلك الأمان ..تسعى لأن تتنفّس هناك و أن ترمي بضيق صدرك على من يحتلّك و يستعمر فيك الروحَ و يبني عليك شواطئَ لا تنتهي ..!
ليس كلّ احتلال بغيض ..فبعض الاحتلالات –على ندرتها- أنت تسعى إليها ..أنت من يستدرجُ المحتلَّ إليك ..أنت من تضع في طريقه المغرياتِ كلَّها كي يقتحمك بوروده و موسيقاه و إنسانيته المفرطة ..تشعر بأنك (خشنٌ) ..و ترمي نفسك – مجبرًا – في متاهات الاختناق بلا ضوء و لا تفاؤل ولا بقايا من نهوض..وحين ترى محتلَّك بكامل زينته و بما أعدّ نفسه للحياة من تفاصيل ؛ تتمنى أنت ذات التفاصيل ..و حين تقلِّب روحَ محتلِّك ذات اليمين و ذات الشمال ؛ تتأكد أنها الروح التي بها تستطيع أن تنهض من جديد ..وبها تستطيع أن ترى الحياةَ بلونٍ أجدّ ..!
الاحتلال الذي تستلذّ به ؛ هو تاريخك الجديد ..وهو رؤيتك الجديدة ..هو أسلحة الصعلوك الفتّاكة بوجه من قاومتهم و من أقعدوك ..هو احتلال ناعم ناعس ؛ لا يجعلك تزهق روحك بالمجان ؛ بل يجعلك تستريح على يديه و يهدهدك كطفل غلبه النوم لتفيق تستكمل قتالك مع الفقراء و المهمّشين ..هو احتلال يحمي مشروعك في الحياة و يجعل من نفسه خباياك التي تؤوي إليها كلّما اشتد القصف عليك ..!
هو الاحتلال الذي تخشى بأية لحظة بأن يجمع مستعمراته و يرحل عنك ..وأنت دون شعورٍ منك تخاطب الأمم المتحدة : لا تدع هذا الاحتلال يتركني ..لا تدعه يرسم خرائطه بعيدًا عني ..لا تسمح له بأن يذهب لغيري ..إنه الروح التي تحتلك و تجعلك تبني حضارتك الوحيدة ..!
إنه الاحتلال الذي يضيف إلى حياتك كلّ التفاصيل الجميلة ..ويقاتل عنك ومعك ..و يعطيك سرّ السعادة حين تكون الدنيا من حولك غارقة في الظلام..!
كامل النصيرات