د. احمد الهباهبه
تُعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لهذا العام حدثًا مفصليًا يؤثر بشكل كبير على تطورات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بمصير الحرب في غزة. يتنافس في هذه الانتخابات الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، وقد برز الدعم لإسرائيل كأحد النقاط المشتركة بينهما، وإن اختلفت أساليبهما وتوجهاتهما في كيفية التعامل مع الأزمة.
ومنذ هجوم السابع من أكتوبر، لم يتردد ترامب في تأكيد دعمه لإسرائيل، مستخدمًا لغة حادة يعتبرها المحللون منحازة ومتشددة. يواصل ترامب التشديد على ضرورة “انتصار” إسرائيل بأي ثمن، متجنبًا تمامًا الحديث عن المساعدات الإنسانية أو حقوق الفلسطينيين. بل يذهب إلى أبعد من ذلك في ترويج خطاب يصفه بعض المحللين بأنه يعمق الأزمة، حيث يشدد على ضرورة أن تُنهي إسرائيل الحرب سريعًا وتفرض هيمنتها على الأراضي المحتلة.
في حال فوزه، سيكون لترامب تأثير كبير في تسهيل تنفيذ أجندة نتنياهو الرامية لإعادة احتلال غزة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، معتمدًا على نهج “صفقة القرن” الذي روج له في فترة رئاسته السابقة. هذا النهج قد يعمّق الانقسام الدولي حول القضية الفلسطينية ويزيد من تعقيد الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي.
من ناحية أخرى، تتبنى كامالا هاريس، موقفًا داعمًا لإسرائيل، لكنها تركز بشكل أكبر على الجوانب الإنسانية، حيث دعت مرارًا إلى ضرورة تدفق المساعدات إلى غزة وتخفيف المعاناة الإنسانية. وتعد هذه التصريحات بمثابة رسالة إلى الجاليات المسلمة وأطياف الديمقراطيين التقدميين الذين يتطلعون إلى سياسة أكثر إنصافًا تجاه الفلسطينيين.
تلتزم هاريس بما يعرف بمبادئ “حل الدولتين”، وتؤكد أن إنهاء الحرب لا يعني تجاهل حقوق الفلسطينيين، بل العمل على حوار سياسي يضمن الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. ومع ذلك، تبقى هاريس، شأنها شأن ترامب، متمسكة بعلاقة بلادها الاستراتيجية مع إسرائيل، ما يجعل احتمالية التغيير الجذري في موقف الولايات المتحدة من الصراع ضئيلة.
ورغم اختلاف التوجهات والأساليب، يتفق المرشحان على دعم إسرائيل، ولكن وفق أساليب وغايات قد تؤدي إلى مسارات مختلفة. يرى محللون أن فوز هاريس قد يكون مفتاحًا لهدنة مؤقتة تسمح بإدخال المساعدات إلى غزة، وهو ما قد يمهد لنقاش سياسي جديد حول مستقبل القطاع. أما في حال فوز ترامب، فقد تواصل إسرائيل تنفيذ أجندتها بغطاء أميركي كامل، ما قد يساهم في تعزيز سياسة الأمر الواقع ويدفع بالقضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة من الجمود.
بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، يبدو أن الولايات المتحدة ستظل داعمًا قويًا لإسرائيل، إذ تتشابك مصالح واشنطن مع تل أبيب في عدة قضايا إقليمية ودولية، خصوصًا مع تصاعد التنافس مع روسيا والصين. لكن في الوقت نفسه، تبرز مؤشرات على ضغوط دولية وإقليمية، لا سيما من دول عربية مؤثرة، للحد من تداعيات الحرب على المنطقة والعمل نحو حل سياسي ينهي الصراع على أساس حل الدولتين.
بالمجمل، تظل السياسة الأميركية إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مقيدة بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، ومع ذلك فإن تغير الإدارة قد يسهم في تلطيف الأزمة الإنسانية مؤقتًا دون أن يحمل تغييرات جذرية في الحلول السياسية.