مهدي مبارك عبد الله
جريمة اغتيال الصحفية القديرة الراحلة شيرين أبو عاقة ليست الأولى التي ترتكبها إسرائيل ضد الصحفيين الفلسطينيين الذين كانت ترى فيهم خطرا على أطماعها التوسعية ومخططاتها الاستيطانية منذ قيام كيانها الغاصب عام 1948 لكن المختلف اليوم ان الاغتيالات كانت تتم فى الخفاء وبأساليب ووسائل متنوعة لكن جريمة ( استهداف أبو عاقلة ) ربما تكون أول جريمة اغتيال علنية يصعب على إسرائيل إنكارها او إخفاء معالمها وضمها إلى قوائم الاغتيال الوحشية المغلفة بحيثيات الغموض المقصود والسرية المنظمة والتخطيط في الغرف السوداء المغلقة.
العالم بأسره لا يزال يتذكر بألم شديد الجرائم الإرهابية التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافيين والإعلاميين ومقراتهم كتفجير مبنى برج الجوهرة بغزة الذي كان يضم في طوابقه مكاتب صحفية لعديد من القنوات ووكالات الأنباء المحلية والدولية من بينها قناة الجزيرة ولن ننسى ايضا تدمير الاحتلال لمبنى قناة المنار اللبنانية بالضاحية الجنوبية لبيروت في حرب تموز 2006 والفقيدة الغالية شيرين أبو عاقلة هي الصحفية الـ 55 التي تستشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000 وحتى اليوم وعلى الدوام كانت تتعرض القنوات الإعلامية والعاملين فيها للاعتداءات من قبل الجنود الإسرائيليين ودون أي تحرك للمجتمع الدولي أمام هذه الجرائم المتكررة
الاحتلال الإسرائيلي حتى الساعة يتخبط في رواياته التي أوردها بشأن اغتيال أبو عاقلة والتي تغيرت الأقوال فيها 4 مرات ففي المرة الأولى تحدثت مصادر عسكرية صهيونية أنه تم تحييد فلسطينيين اثنين في تلك المنطقة من دون إعطاء تفاصيل ثم سرعان ما غير الاحتلال روايته بعد تأكده استشهاد شيرين وإصابة منتج الجزيرة علي السمودي
حيث زعمت المصادر العسكرية الإسرائيلية أنهما تعرضا لرصاص مسلحين فلسطينيين اثناء الاشتباكات بين الطرفين وذلك قبل أن تتبدل الرواية الإسرائيلية للمرة الثالثة على لسان رئيس الأركان الإسرائيلي ثم وزارة خارجية الاحتلال التين قالتا إنه لا يمكن تحديد جهة النيران التي استهدفت شيرين أبو عاقلة مع بدء الحديث عن الأسف لمقتلها لدرء الشبهات
الرواية الرابعة بدأت تتشكل بعدما نقلت صحيفة هآرتس الاسرائيلية عن تحقيق رسمي من أن وحدة دوفدوفان الإسرائيلية أطلقت عشرات من طلقات الرصاص باتجاه الشمال حيث كانت تقف شيرين على بعد 150 متر لحظة سقوطها وكأنها بذلك التصريح تعلن رفضها تحمل مسؤولية الاغتيال وهذا الفعل ليس غريبا على قوات الاحتلال فالاغتيال والقتل والدمار ديدنهم
حالة الارباك والتخبط الإسرائيلي توضح بشكل جلي الهزيمة التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية في محاولاتها للتنصل من الجريمة ونسبها للمقاومين الفلسطينيين خاصة بعد رفض السلطة الفلسطينية إجراء تحقيق مشترك أو تسليمها الرصاصة التي اغتالت أبو عاقلة بشكل متعمد ووحشي نتيجة تنامي الشكوك الكبيرة حول مصداقية إسرائيل في التحقيق في جرائم حرب مثل مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بالاستناد على عدة أحداث جرت في الماضي كانت فيها بعيدة عن العدالة والنزاهة والجدية
على وقع محاولة جديدة من السلطات الإسرائيلية للتنصل من المسؤولية والتشويش على الرواية الفلسطينية ودحض إفادات شهود العيان التي أكدت أن شيرين أبو عاقلة قتلت برصاص قناص إسرائيلي حيث قال رئيس الوزراء نفتالي بينيت ان الرصاصة ربما ارتطمت بالأرض أو بحائط ثم ارتدت وأصابت شيرين وإن السلطة الفلسطينية تمنع أي احتمال لإجراء تحقيق مشترك أو حتى الوصول إلى النتائج الأساسية اللازمة لمساعدتنا في الوصول للحقيقة في مقتل أبو عاقلة
وامعانا في الكذب والتضليل والمماطلة وطمس الحقائق وتبديل الروايات الإسرائيلية المزعومة بشأن ملابسات مقتل أبو عاقلة قام الجيش الإسرائيلي صباح يوم الجمعة الماضي بعملية عسكرية خاصة في جنين ومخيمها وقرية وادي برقين ضمن محاولة من سلطات الاحتلال التنصل من المسؤولية والتحريض على المقاومة الفلسطينية المسلحة وبث الإشاعات المغرضة
حول ضلوع المقاومين بإطلاق النار على قوات الجيش خلال المواجهات في المنطقة التي شهدت اغتيال أبو عاقلة ولهذه الغاية جاءت المزاعم الاسرائيلية بخصوص اعتقال محمود الدبعي الناشط في حركة الجهاد الاسلامي ومحاولة إقحامه في عملية إطلاق النار ورصاصة القناص التي استهدفت أبو عاقلة دون الكشف عن تفاصيل إضافية علما بأن الدبعي كان هدف للمطاردة والاعتقال قبل مقتل أبو عاقلة بوقت بعيد
سلطات الاحتلال تحاول ان تظهر للمجتمع الدولي أنها تقوم بتحقيقات بمقتل أبو عاقلة وذلك بغرض تجنب احتمال فتح تحقيق دولي في ظل رفض السلطة الفلسطينية اجراء تحقيق مشترك معها خاصة بعدما استمع رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي إلى تقارير داخلية أظهرت أن جيش الاحتلال هو من أطلق النار فعلا على شيرين أبو عاقلة وأن ذلك مرجح بقوة وقد منع التصريح بالنشر حول اخبار احتمال إطلاق جنوده النار على أبو عاقلة وادعى إنه لا يمكن تحديد مصدر إطلاق النار الذي أصابها وطلب إجراء إعادة تمثيل ميداني لما جرى بحضور خبراء وفنيين مختصين
ما يخشاه الفلسطينيون هو ان تمارس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطا مكثفة على السلطة الفلسطينية بغية إقناعها بإجراء تحقيق مشترك مع إسرائيل وعدم تقديم شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ليتم بذلك تمييع القضية وان تقوم سلطات الاحتلال بتدمير أو إتلاف الأدلة في مكان الحادث حتى لا يمكن تحديد من أطلق النار على شيرين مما يساعد ذلك في تنصل إسرائيل منها وعدم تحملها مسؤوليتها كما في كل مرة من القضايا السابقة.
خاصة وان العالم الغربي وامريكا منحازان للكيان الصهيوني الغاصب رغم كل الأدلة المادية والبراهين الحسية والتحقيقات الميدانية والشهادات الحية التي قدمها زملاء شيرين الذين كانوا مرافقين لها لحظة استهدافها ومقتلها
صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية نقلت مؤخرا عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إنه لا يمكن استبعاد أن تكون الرصاصة التي قتلت مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة صادرة من الجانب الإسرائيلي في حين ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان جيش الاحتلال يحقق في اتهام أحد عناصره بقتل شيرين أبو عاقلة بالخطأ بعد فحص أولي للجيش الإسرائيلي أقر بأن عناصر من وحدة المستعربين في جيش الاحتلال ( دوفدوفان ) أطلقوا الرصاص في مخيم جنين باتجاه المنطقة الشمالية حيث كانت تقف شيرين أبو عاقلة والفرق الصحفية
كما كشف تحقيق اخر لقناة الجزيرة عبر تحليل بيانات موقع الاغتيال وجود مراسلته أبو عاقلة في مرمى قوات الاحتلال وفند التحقيق ايضا الرواية الإسرائيلية الأولية التي تحدثت عن احتمال استهدافها برصاص الفلسطينيين الذين كانوا على بعد مسافة نحو 260 مترا من مكانها حيث تفصل بين المكانين أبنية سكنية بارتفاعات متفاوتة وهو ما يستبعد وجود مرمى واضح لإطلاق النار بين المكانين ووصول الرصاص اليها
رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت في سعيه الحثيث لترويج الرواية الإسرائيلية حول اغتيال أبو عاقلة قال في بيان مقتضب له أكرر توقعي بتعاون مفتوح وشفاف مليء بالنتائج وأتوقع أيضا ألا تتخذ السلطة الفلسطينية أي خطوات لتعطيل التحقيق أو التشويش على عملية التحقيق بطريقة لا يمكننا معها الوصول إلى الحقيقة ( كلام اعلامي لذر الرماد في العيون )
أمام فشل الدعاية الإسرائيلية حتى الآن في إقناع أي جهة برواية الجيش الإسرائيلي المختلقة لما حصل في مخيم جنين وفي ظل الإدانات الدولية الواسعة روجت هيئة الإعلام القومي الإسرائيلية رسالة مفادها أن إسرائيل توجهت بطلب لإجراء فحص مشترك لكن الفلسطينيين يرفضون ذلك ومن ليس لديه شيء يخفيه لا يرفض التعاون وهذا جزء من مسارات قلب الحقائق المتواصلة بكثافة عالية
وكالة الأنباء الفرنسية وفي واحدة من الشهادات الميدانية الهامة والمتعلقة بحادثة اغتيال أبو عاقلة نقلت عن مصورها في جنين أنه لم يشاهد مقاتلين فلسطينيين بالقرب من المكان الذي استشهدت فيه وأن مصورها أكد أن إطلاق الرصاص كان من قبل الجيش الإسرائيلي فقط وأنه شاهد جثمان الزميلة شيرين التي كانت تضع خوذة وسترة واقية من الرصاص كتب عليها كلمة صحافة بشكل واضح وهذه الشهادة تضاف الى شهادات صحفيين ومصورين آخرين دحضوا الرواية الإسرائيلية التي حاولت منذ البداية التنصل من مسؤولية قتل أبو عاقلة وتحميلها لمسلحين فلسطينيين
التحولات التي طرأت على الرواية الإسرائيلية في مراحلها المختلفة تشير إلى أن جيش الاحتلال جزم في البداية أنه لم يطلق النار على أبو عاقلة ثم ادعى أن هناك احتمالاً كبيراً ألا يكون هو المسؤول عن إطلاق النار عليها ثم أصر على أنه لا يمكن الحسم بشأن هوية الطرف الذي أطلق النار ولان يؤكد احتمال أن يكون أحد جنود الوحدة الخاصة الاسرائيلية أطلق النار على مقاوم فلسطيني فأخطأه وأصاب أبو عاقلة وكل ذلك يتكرر ضمن سلسلة واهية من عمليات التضليل والتشكيك من جانب الاحتلال في ظروف مقتل أبو عاقلة في محاولة للتنصل من مسؤوليته عن اغتيالها
هذه الجريمة النكراء كان يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته واسكات الصوت الحر والأمين والتغطية على حقيقية الاجرام الإسرائيلي ومنعه من الوصول عبر الصورة والكلمة الى العالم ولذلك يجب ان لا تمر بدون مسائلة وعقاب بعدما خرقت اسرائيل وتحدت قرارات الأمم المتحدة وجميع القوانين والأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية وباحتقار علني تجاوز كل الحدود مما يوجب على واشنطن الغاضبة للغاية بشأن الحادث ان لا تتنازل في هذا الملف وان تمارس الضغوط على تل ابيب لمعرفة الحقيقة ومتابعة التحقيقات الجارية عن كثب سيما وان الصحفية الفلسطينية تعد من رعاياها حيث تحمل الجنسية الأميركية
قبل الختام نقول كفى من الكيل بمكيالين وكفى التغاضي عن الجرائم الخطيرة والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني والتي تمثل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب جماعية وفردية تقتضي المحاسبة العاجلة وفرض العقوبات الرادعة وتطبيق التدابير اللازمة في مواجهة هذا الكيان الإجرامي العنصري الغاصب
للحقيقة الساطعة إن ما جرى في مخيم جنين ليس مجرد جريمة اغتيال علنية ومتعمدة لصحفية فحسب وإنما هو تجسيد لمأساة شعب يعانى القهر والاضطهاد والتشريد والتمييز العنصرى تحت سمع وبصر طغاة العالم الذين يتشدقون ليل نهار بحرية الشعوب وحقها في الحياة الكريمة والاستقلال وتقرير المصير وكفالة حقوق الإنسان
لقد آن الأوان للوعي ان ينطلق وللصحوة ان تبدأ في المجتمع الدولي الغربي والامريكي حول حقيقة ما يجرى في فلسطين منذ 74 عاما تحت غطاء من الأكاذيب المفضوحة التي مازالت تعطل حلم السلام الذي ارتضاه العرب والفلسطينيون مكرهين وفق مرجعيات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين أنفسهم ومع ذلك تنصلوا منها
خير الكلام واخره :
ان من يسير على نهج اغاضة وكراهية إسرائيل وفضح اجرامها الوحشي وسوقيتها القذرة وعنصريتها المقيتة واحتلالها البغيض فهو على الطريق القويم
mahdimubarak@gmail.com