منوعات – هلا نيوز
علّق الكاتب الصحافي بيتر أوبورن على انفجار المذيعة في قناة “توك تي في” بوجه السياسي الفلسطيني المعروف دوليا، مصطفى البرغوثي، وقال إنه كان عليها التعلم من الصحافيين الفلسطينيين الشجعان الذين ينقلون الحقيقة عما يحدث في غزة من مجازر، والكثير منهم مراسلات وصحافيات، بدلا من الجلوس على الكراسي الوثيرة وفي الاستدويوهات الدافئة، والحصول على رواتب شهرية بمئات آلاف الجنيهات.
وحظيت ردود البرغوثي الهادئة والرصينة بمشاهدات كبيرة وتعليقات واسعة، خاصة عندما لجأت المذيعة جوليا هارتلي- بروار، للتنميط واتهامه بمعاداة المرأة، كون من تحاوره بيأس هو شخص عربي “ربما لم يتعود على كلام امرأة أمامه”، حيث أنهت المقابلة الحامية والتي تسيدها صراخها بدون أن تعطي الضيف فرصة للرد.
وأشار الكاتب في بداية مقاله الذي نشره موقع “ميدل إيست آي” إلى ما نشرته مجلة “ذي نيشين” عن التحديات التي تواجه طواقم الإعلام والصحافيين العاملين في غزة، ووصف التقرير كفاحهم اليومي للحصول على الطعام والماء مثل بقية سكان القطاع: “لا مكان للنوم، فيما يجعل انقطاع الكهرباء وعدم توفر الهواتف النقالة عملية إرسال التقارير أمرا في غاية في الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، كما تؤكد ذلك تجربة مراسلينا في موقع ميدل إيست آي”.
وأضاف أنه لا مجال لوصف الشجاعة التي يتحلى بها طاقم الصحافيين في غزة. ووفقا لم تقوله، لجنة حماية الصحافيين، فقد قُتل أكثر من 77 عاملا في الإعلام بغزة وإسرائيل ولبنان منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ويعتقد الكثيرون أن المراسلين الصحافيين يستهدفهم الجيش الإسرائيلي عمدا، رغم نفي الأخير هذا الأمر. ويقول الموقع: “لا أحد يمكنه إنكار أن المراسلين الإعلامين في غزة هم أبطال حرفتنا، فهم يخاطرون بحياتهم وحياة عائلاتهم في ظروف بالغة القسوة، من أجل إخبارنا بحقائق الأوضاع داخل غزة. وباختصار: هذه هي الصحافة في أشجع وأعلى تجلياتها وأكثرها تضحية وأشدها ضرورة”.
ويعود الكاتب إلى مشهد مضاد ورديء عن الصحافة البريطانية، والتي أصبحت طابعا للصحافة العالمية في سياق الحرب على غزة، ويقول: “شهدنا هذا الأسبوع نموذجا للصحافة في أردأ مستوياتها. وذلك أن جوليا هارتلي بروار، مقدمة البرامج في قناة توك تي في بلندن، شنت هجوماً حاميا ضد السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي، متهمة إياه بكراهية النساء (لم يتعود على سماع امرأة تتحدث أمامه) ضمن مجموعة من التعليقات التي تركتها عرضة للاتهام بالتنميط العنصري”.
وعلق أوبورن أن البرغوثي تعامل “مع الوضع بهدوء وأدب، ورفض الارتباك أو الخروج عن مساره. ولا يتوقع المرء أقل من ذلك من سياسي فلسطيني محترم على المستوى الدولي، وقضى زمنا رهن الاعتقال لدى الشرطة الإسرائيلية، وتعامل مع خصوم أشد خطرا وأكثر أهمية من هارتلي بروار”.
وربما يحاول المرء تجاهل هذه المواجهة بأنها ليست مهمة، لكن من الضروري التوقف عندها لأنها تخبرنا الكثير بشأن الكيفية التي تعمل بها وسائل الإعلام الغربية، خاصة تغطيتها المتعصبة والعنصرية للحرب في غزة.
ويقول أوبورن: “علينا تذكر أن هارتلي بروار، ليست الأردأ بين المذنبين، فقد كنا زملاء في صحيفتي “ذي إيفنينغ ستاندارد” و”صنداي إكسبريس” قبل ربع قرن من الزمن. وهي امرأة ذكية، تحمل شهادة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أكسفورد. وعملت فترة مراسلة لصحيفة “الغارديان”، وتنحدر من عائلة محترمة مؤيدة لحزب العمال”. لكنها اليوم أصبحت جزءا من منظومة صحافية تركز كل جهدها على جذب الانتباه وصناعة الغضب. وتجسد هارتلي بروار ذلك من خلال وضع نفسها في مكانة أعلى وأهم من القصة الإخبارية أو من ضيفها. هي بحاجة لأن يذكرها أحد بأن الصحافي المجرب ينبغي عليه دوما ألا يكون جزءا من القصة”، ذلك أن مثل هذا العمل الإعلامي لا يسمح للرأي المعقد أو بتعدد وجهات النظر، ويخترل المواضيع المعقدة لمجرد حلول بسيطة. وهو أمر يروق فقط للناس الذين لا يعرفون شيئاً عن المسألة المطروحة للنقاش. وبهذه الطريقة يتم تحقير الخطاب وتسميم الحياة العامة.
ويقول أوبورن إنه “حينما يتعلق الأمر بالصراع في غزة، يهدف مثل هذا النوع من العمل الصحافي إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وهنا أتساءل عما إذا كانت هارتلي بروار على استعداد لإهانة مسؤول سياسي بريطاني كبير مهما بدا بليدا، بنفس الطريقة التي مارستها مع البرغوثي؟”.
وقال إن الصحافيين الغربيين يميلون بشكل عام لمعاملة الساسة الإسرائيليين باحترام أكبر بكثير مما يعاملون به المسؤولين الفلسطينيين. ويذكر: “إليكم هذا النموذج المؤكد لهذا الزعم، ففي يوم الخميس، أجرى مقدم إذاعة إل بي سي، إيان ديل، مقابلة مع السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا تسيفي هوتوفلي. وأصدرت هذه الأخيرة العديد من التصريحات الصادمة التي كان ينبغي أن تضعها خارج حدود ما هو لائق. فقد رفضت حل الدولتين، وأنكرت حقوق الشعب الفلسطيني كما أنكرت النكبة. ورغم ذلك، لا تكف وسائل الإعلام البريطانية عن إجراء لقاءات معها، وبشكل منتظم”.
وفي تلك المقابلة “عاملها ديل بأدب واحترام. أنا هنا لا أنتقد ديل، فلربما ساهم أسلوبه المعتمد على الحديث الناعم في تشجيع هوتوفلي على إصدار تصريحات مرعبة مثل أن إسرائيل سوف تستهدف كل مدرسة، وكل مسجد، وكل منزل. ولكنني أعتقد أن من الإنصاف مقارنة تعامل ديل المؤدب مع مسؤولة إسرائيلية كبيرة تنطق بما يكاد يعتبر تحريضاً على الإبادة الجماعية، بتلك الإهانات التي وجهتها هارتلي بروار لواحد من أرقى السياسيين الفلسطينيين المحترمين”.
وعلق أوبورن قائلا إنه وطوال الحرب على غزة، لم يتخل الخطاب الإعلامي عن انحيازه إلى الجانب الإسرائيلي. ومرة بعد أخرى، تم التعامل باحترام مع حكايات باطلة أو غير موثقة واردة من مصادر إسرائيلية. فقد أظهر تحقيق أجرته مؤسسة “ديكلاسيفايد يو كيه” أن ما زعمته قناة إخبارية إسرائيلية من قطع رؤوس أربعين رضيعاً أو طفلاً إسرائيليا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تم نشره بدون تحقق أو تدقيق على الصفحة الأولى في كل الصحف البريطانية تقريبا، وذلك على الرغم من أنه غير صحيح”.
ونفس الشيء حصل مع المزاعم الإسرائيلية بأن مستشفى الشفاء في غزة كان يستخدم مركز قيادة لحماس. ولاحظت مؤسسة “ديكلاسيفايد” أن “إسرائيل بإمكانها أن تبالغ في المزاعم أو تفبركها، ممهدة السبيل نحو عملية تطهير عرقي لا هوادة فيها، لتيقنها بأن وسائل الإعلام البريطانية سوف تغني معها من نفس الأغنية في الكراسة”.
ويقول الكاتب: “يؤرقني أمر آخر، ليس فقط أن المعلقين وكتاب الأعمدة ومقدمي البرامج الحوارية في العادة لا يعلمون عما يتحدثون عنه ولا حتى أنهم يتظاهرون بأنهم يعلمون، بل الحياة المريحة التي يعيشون فيها. فهم يجلسون في استوديو دافئ ولطيف، ويحصلون على رواتب سخية تقدر بمئات آلاف الجنيهات مقابل ما يعبرون عنه من آراء. لا يجازفون بشيء، ولا يقدمون للمشاهد أي حقائق”.
ويرى أوبورن أن الدرس الذي يمكن أن يتعلمه المرء، إن كان هناك شيء، من جوليا هارتلي بروار فهو “علينا ألا نهتم كثيرا بأمثالها من الصحافيين، ونعطي اهتماما أكبر لأولئك الصحافيين الشجعان، الذين لا يمكن أن تقارن بهم، ويجازفون بحياتهم في كل دقيقة من اليوم لإخبار العالم بحقيقة ما يجري في غزة. ولربما يهم هارتلي بروار أن تعرف أن كثيراً من هؤلاء الصحافيين هم من النساء”.