شيّعت سوريا الجمعة ضحايا الهجوم الذي نفذته طائرات مسيّرة على الكلية الحربية في وسط البلاد، وأوقع أكثر من مئة قتيل ونسبته دمشق إلى تنظيمات “إرهابية”، قبل أن تردّ عليه بقصف مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في إدلب ومحيطها.
على جبهة أخرى، استأنفت تركيا الجمعة قصف مواقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، بينها أبرز محطات الغاز في المنطقة، في إطار حملة بدأتها الخميس ردا على هجوم طال وزارة الداخلية في أنقرة وقالت إن منفذيه “تدرّبا” في سوريا.
أمام المستشفى العسكري في مدينة حمص، تجمّع العشرات من أهالي الضحايا منذ الصباح الباكر وسط أجواء من الحزن الشديد والوجوم. وتقدّم حملة الأكاليل قرابة ثلاثين نعشا، وبدأت مراسم التشييع، بحضور وزير الدفاع علي محمود عباس، وفق ما أفاد مراسل فرانس برس.
ولم تتمكن سيدة ارتدت ثوبا أسود اللون مرقطا بورود بيضاء وغطت رأسها بوشاح أبيض من تمالك نفسها، وبدت كأنها تهذي من شدّة الحزن على ابنها.
وقالت، بينما كان ضابط ينادي على العائلات لمواكبة الجثامين في سيارات الإسعاف، “لا تستقل يا ابني السيارة، لا تذهب يا حبيبي، ابقَ بقربي، هذا النوم لا يليق بك”.
واستهدفت طائرات بلا طيار باحة الكلية الحربية في مدينة حمص الخميس فور انتهاء حفل تخريج ضباط وأثناء وجود عدد كبير من أفراد عائلاتهم.
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها في منصات التواصل الاجتماعي حالة من الذعر والفوضى وضحايا أرضا وجرحى يستغيثون بينما تُسمع في الخلفية أصوات رشقات نارية.
وأورد المرصد السوري لحقوق الإنسان الجمعة، أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 123، بينهم 54 مدنيا ضمنهم 39 طفلا وسيدة من ذوي الضباط. وأحصى كذلك إصابة 150 آخرين بجروح.
وأحصت السلطات السورية الجمعة مقتل 89 شخصا، وإصابة 277 آخرين بجروح.
واتهم الجيش السوري الخميس “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” بالوقوف خلف الاستهداف “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”. وأكد أنه “سيردّ بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت”.
وبدأت القوات الحكومية منذ الخميس قصفا مدفعيا على مناطق عدة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها أوقع حتى اليوم 15 مدنيا، وفق المرصد الذي أفاد الجمعة كذلك بمقتل طفل بقصف جوي روسي طال مناطق عدّة في إدلب ومحيطها.
وندّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة تعزية إلى نظيره بشار الأسد، وفق الكرملين، بالهجوم “الإرهابي”، آملاً أن تتم معاقبة مرتكبيه. وأكّد عزمه “مواصلة تعاوننا الوثيق مع شركائنا السوريين لمكافحة كل أشكال… الإرهاب”.
حداد رسمي
ولم تتبنَّ أي جهة الهجوم الذي يعدّ بين الأكثر عنفا ضد مركز عسكري منذ بدء النزاع في العام 2011. وإذا صح أن الفصائل المسلحة التي تسيطر على محافظة إدلب (شمال غرب) نفذته، فسيكون الأول بهذا الحجم وبهذا الأسلوب.
وتستخدم فصائل مسلحة عدة بينها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وتنظيم “داعش” الإرهابي أحيانا طائرات مسيّرة لاستهداف مواقع عسكرية تابعة للقوات الحكومية أو حلفائها.
واستعادت القوات الحكومية في العام 2017 السيطرة على مدينة حمص التي شكّلت معقلا بارزا للفصائل المعارضة عند اندلاع النزاع عام 2011. وباتت تسيطر منذ العام 2018 على كامل المحافظة.
وأعلنت الحكومة في خطوة نادرة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام بدءا من الجمعة. من باحة المستشفى العسكري، حيث حضرت مراسم تشييع شقيقها، قالت خولة (33 عاما) بحزن لفرانس برس “لم يمت أمجد، أنا متّ (..). كنت أودّ أن أراك عريسا وأنت اليوم عريس”.
وحضر وزير الدفاع مراسم التشييع الجمعة، بعدما نجا من الهجوم. وأكد شاهد عيان من أهالي الضحايا لفرانس برس أن عباس كان حاضرا خلال حفل التخرج، وغادر قبل دقائق من القصف.
وقال عباس خلال مراسم التشييع “الشهادة والكرامة والعزة للوطن ثمنها كبير (…) الشهداء الذين ارتقوا أمس بالتأكيد ثمن دمائهم غالٍ لكن الوطن أغلى”.
قصف تركي
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا دمويا متشعّب الأطراف تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان.
وجاء استهداف الكلية الحربية في وقت نفّذت فيه تركيا منذ الخميس أكثر من خمسين ضربة جوية في محافظة الحسكة، طالت مواقع عسكرية وبنى تحتية مدنية بينها محطات نفط وأخرى لتوليد الكهرباء والمياه. وتجدّد القصف الجمعة واستهدف محطة السويدية للغاز القريبة من الحدود التركية.
وقال الرئيس المشترك لمكتب الطاقة في الحسكة أكرم سليمان لفرانس برس إن المحطة هي “المنشأة الأكثر استراتيجية”، إذ تُعد “مصدر تغذية لخطوط الكهرباء الخدمية” بما فيها المطاحن والمشافي.
وتسبّب القصف، وفق حصيلة جديدة الجمعة، بمقتل 15 شخصا بينهم ثمانية مدنيين.
وتوعدّت تركيا بقصف مواقع في شمال شرق سوريا، بعد إعلانها أن منفذَي هجوم طال الأحد مقرّ وزارة الداخلية في أنقرة “جاءا من سوريا وتدرّبا هناك”.
وردّت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة باستهداف قاعدتين تحت سيطرة القوات التركية وفصائل سورية موالية لها في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وأعلنت تركيا بدورها الجمعة مقتل أحد جنودها في سوريا متأثرا بإصابته بقصف صاروخي. كما قتل جندي تركي آخر أصيب في العراق نهاية الشهر الماضي حيث نفذت ضربات تركية طالت مقاتلين أكراد.
ودعت قوات سوريا الديمقراطية حليفتها واشنطن وموسكو إلى “أن تبديا موقفا واضحا في الرد على استهداف الاحتلال التركي للمدنيّين والمؤسسات الخدمية والمدنية العامة”.
وندّد المتحدث باسم الرئاسة التركية فخر الدين ألتون بالدعم الغربي للمقاتلين الأكراد في سوريا، واصفا إياه بأنه “حماقة كبرى”.
ومنذ العام 2016، شنّت تركيا ثلاث هجمات عسكرية في سوريا، استهدفت بشكل رئيسي المقاتلين الأكراد الذين طالما أعلنت سعيها لإبعادهم عن المنطقة الحدودية.
أ ف ب