هلا نيوز – السبت ٤-٢-٢٠٢٣د. فيصل القاسم
قبل أيام فقط تحدثت وسائل الإعلام بالأرقام عن سبع دول عربية مبدئياً ستنهار عملاتها تباعاً. وذكرتها بالاسم، وهي مصر، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسودان، والعراق وتونس. ولا شك أن هناك عملات أخرى في طريقها إلى الترنح.
الجميع باستثناء دول الخليج مهدد بأزمات مالية واقتصادية مرعبة عربياً.
طبعاً قد يضحك البعض على تضمين سوريا والعراق ولبنان واليمن ضمن مجموعة الدول المعرضة عملاتها للانهيار، لأنها انهارت أصلاً وشبعت انهياراً، فالليرة اللبنانية تسابق عقارب الساعة في الهبوط الصاروخي، بينما الليرة السورية التي تترنح على حدود السبعة آلاف ليرة للدولار الواحد قيمتها أقل بكثير من هذا السعر، وقد يزيد سعرها على عشرين ألف ليرة للدولار إذا ما نظرنا إلى أسعار المواد الاستهلاكية على الأرض، وبذلك فإن الليرة السورية ستلحق بزميلتها اللبنانية عاجلاً أو آجلاً، وأن كل الانتعاشات التي تشهدها الليرة بين الحين والآخر مردها إلى المعونات المالية الإماراتية الشحيحة التي تصلها بين الحين والآخر، وهي في آخر النهار مجرد مسكنات مؤقتة تنتهي فاعليتها بمجرد أن يتبخر المبلغ من السوق. ولا ننسى أن البنك المركزي السوري خاو على عروشه منذ زمن. وقد زاد الوضع سوءاً بالنسبة لسوريا ولبنان واليمن وإيران في الآونة الأخيرة بعد أن فرضت أمريكا عقوبات صارمة على البنوك العراقية التي كانت تهرب الدولارات لإيران وتوابعها المذكورة. لقد كانت إيران وتوابعها تعيش على الأموال العراقية بينما يموت الشعب العراقي من الجوع، لكن اليوم نلاحظ أن كل العملات المرتبطة بإيران بدأت تسقط سقوطاً حراً بما فيها الدينار العراقي. وقد شاهدنا حسن نصرالله أمين حزب الله اللبناني وهو يطلب المساعدة من دول الخليج. وقد اعترف نصرالله بأن لبنان على حافة الانهيار الكامل. ولا ننسى أن إيران بدأت تقلص مساعداتها النفطية لسوريا وبدأت تطالب بأسعار عالية لشحنات النفط مما يجعل مشكلة الوقود والطاقة في سوريا تزداد سوءاً يوماً بعد يوم مما جعل النظام يطلب من الدولة أن تتوقف عن العمل لأيام بسبب أمة الوقود.
القضية في دول عربية عديدة إذاً قضية اقتصادية ومالية في المقام الأول، ولا يبدو أن هناك من منقذ على المدى القريب أو حتى المتوسط، فقد بدأت بعض دول الخليج ترفع أصواتها عالياً لتعلن أن زمن المساعدات المجانية قد ولى، فقد سمعنا وزير المالية السعودي يعلن بشكل واضح أن السياسات قد تغيرت وأنه لم يعد هناك وجبات مجانية لأحد. وقد لحق به فوراً مسؤول كويتي طالب حتى بسحب الودائع الكويتية من مصر بدل مد يد العون لها تلبية لنصيحة صندوق النقد الدولي الذي طالب دول الخليج بضخ المليارات في مصر كي تتمكن من تسديد ديونها للصندوق. صحيح أن المعونات الخليجية ليست دائماً كرماً حاتمياً وأنها تُدفع بناء على توجيهات وضغوط أمريكية لهذا الطرف أو ذاك، لكن يبدو اليوم أن الزمن الأول تحول، فها هو لبنان الذي كان يعتاش على المعونات السعودية وقد أوشك على الانهيار الكامل لأن السعودية توقفت عن الدفع منذ فترة وقالت للبنانيين: اقلعوا شوككم بأيدكم.
كل من يعتقد أن فك العزلة عن النظام السوري مثلاً عبر التصالح مع العرب وتركيا وغيرها سيحل الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة في سوريا، فهو واهم جداً، فلبنان مثلاً ليس معزولاً وعلاقاته طيبة مع كل العالم وليس محاصراً، لكن ذلك لم ينقذه من الانهيار
وكل من يعتقد أن فك العزلة عن النظام السوري مثلاً عبر التصالح مع العرب وتركيا وغيرها سيحل الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة في سوريا، فهو واهم جداً، فلبنان مثلاً ليس معزولاً وعلاقاته طيبة مع كل العالم وليس محاصراً، لكن ذلك لم ينقذه من الانهيار، لأن العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع العالم لا تطعم خبزاً أصلاً. وكذلك وضع السودان واليمن وتونس والعراق ومصر، فماذا استفادت تلك الدول مع علاقاتها الجيدة مع المجتمع الدولي كي تحسن وضعها الاقتصادي والمعيشي والمالي؟ لا شيء مطلقاً، لهذا فإن تحسين العلاقات السورية مع الجيران لن يفيد بشيء، لأن لا أحد مستعد اليوم أن ينفق قرشاً على أحد، خاصة إذا ما علمنا أن الذي تحتاجه سوريا اليوم ليس بضعة مليارات بل مئات المليارات وهو رقم لا يمكن أن يقدمه لها أحد في ظل التدهور الاقتصادي والمالي العالمي والامتناع الخليجي عن تقديم الدعم على الطريقة القديمة. ولا ننسى أن أمريكا وأوروبا تضيقان الخناق على النظام السوري، لا بل تفرض عقوبات جديدة وآخرها قانون الكبتاغون الأمريكي الذي سيحرم النظام من مليارات الدولارات التي يجنيها من تصنيع وتهريب المخدرات. وقد شاهدنا كيف أن روسيا المفترض أنها حليفة للنظام قد تركته يعاني معيشياً ومالياً واقتصادياً خوفاً من العقوبات الغربية تارة وتارة أخرى لأنها جاءت أصلاً إلى سوريا ليس لدعم النظام والشعب بل لسرقة الثروات والسيطرة على الموانئ وبناء القواعد العسكرية.
وفي مصر نلاحظ كيف ينهار الجنيه بشكل متسارع وترتفع أسعار السلع بشكل بات يرعب الشارع المصري. وإذا بدأت دول الخليج تتنصل من دعم حليفها المصري، وهم أهم بالنسبة لها من النظام السوري، فكيف يمكن أن نتوقع منها أن تدعم النظام السوري الذي تعتبره عميلاً لإيران وعدواً لها. ولا ننسى أن هناك توجهاً خليجياً للاستثمار في الداخل الخليجي كما تفعل المملكة العربية السعودية التي تنفق مئات المليارات في بناء المدن وتحديث البينة التحتية وتنمية الموارد والنهوض بالبلد بشكل لم يسبق له مثيل. من هو الأولى بالمليارات، الأنظمة الفاسدة في سوريا وغيرها التي تحولت إلى ثقوب سوداء تبتلع كل المليارات التي تصلها ولا أحد يعرف مصيرها، أم الدول الخليجية نفسها التي تشهد نهضة اقتصادية عظيمة في كل المجالات؟ لماذا تبذر دول الخليج ملياراتها على أنظمة لا تعرف سوى النهب والسلب؟ لهذا فإن كل من يتوقع انفراجاً في سوريا أو مصر أو اليمن أو السودان أو تونس أو لبنان أو العراق، فهو واهم جداً، وعلى علاتها وفظاعتها تبقى الأوضاع في تلك البلدان اليوم أفضل بكثير مما هو قادم.
ولا نبالغ إذا قلنا لتلك الدول: استمتعي بالسيئ لأن الأسوأ لم يأت بعد.
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com