هلا نيوز – عمان
أصدرت محكمة التمييز مؤخرًا حكمًا بنقض الحكم الصادر عن محكمة جزاء عمان بصفتها الاستئنافية بحق متهم كان قد حكم عليه بجرم إصدار شيك لا يقابله رصيد؛ وذلك كون الفعل تم في دولة أخرى لا تعاقب عليه، وجاء النقض بناء على أنّ إصدار الشيكات من غير رصيد من قبل “المتهم” كان في دولة الإمارات العربيّة التي لا تجرّم أصلاً هذا الفعل. حيث اعتبر قانونيون أن هذا النقض يمثل خطوة مهمة في تعزيز العدالة وسيادة القانون.
ووفقًا لقرار المحكمة، فإنّ القرار الطعين مخالف للقانون في ظل صدور قانون في دولة الإمارات العربية المتحدة برفع الحماية الجزائية عن جرم إصدار شيك لا يقابله رصيد، ما يجعل هذا الفعل مباحا ويستوجب معه وقف ملاحقة (المحكوم عليه) عن هذا الجرم.
وبحسب القرار، كانت محكمة صلح جزاء عمان أصدرت حكما غيابيا يقضي بإدانة المشتكى عليه والحكم عليه بالحبس مدة سنة واحدة والرسوم والغرامة مائة دينار، ولم يرتض المشتكى عليه بهذا القرار فتقدم بالطعن عليه اعتراضا.
وبنتيجة المحاكمة، صدر قرار يتضمن إدانة المشتكى عليه المعترض بجرم إصدار شيك لا يقابله رصيد خلافًا لأحكام المادة (421) من قانون العقوبات والحكم عليه بالحبس مدة سنة واحدة والغرامة 100 دينار والرسوم.
وطعن المشتكى عليه بهذا القرار لدى محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية، والتي نظرت القضية وأصدرت فيها قرارها برد الاستئناف موضوعا وتأييد القرار المستأنف.
وعن سبب الطعن، أشار القرار إلى: “نجد وبالرجوع إلى أحكام المادة (291/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي قدم التمييز بالاستناد إليها أنها تجيز لرئيس النيابة العامة تمييز الأحكام والقرارات الصادرة في الجنح عن محكمة الاستئناف لسببين: إذا كان في الدعوى إجراء مخالف للقانون، إذا صدر فيها حكم أو قرار مخالف للقانون”، بمعنى أن ينصب الطعن على الأمور القانونية دون الأمور الواقعية.
ووجدت محكمة التمييز “أن الطعن ينصب على مخالفة أحكام المادة (10/1) من قانون العقوبات، من حيث إن ما ذهبت إليه محكمة البداية بصفتها الاستئنافية يتنافى مع الفهم السليم للنص المشار إليه ومع حسن تطبيقه وتأويله”.
وفي ذلك “نجد أن القاعدة المتبعة في تفسير النصوص القانونية تقتضي الأخذ بعين الاعتبار إرادة المشرع التي ابتغاها من وراء النص، ذلك أن القاعدة الفقهية تفيد أن العبرة للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني، وبهذا السياق نجد أن نقطة الفصل في هذه القضية تكمن في تحديد الشروط التي أوردها المشرع الأردني في المادة (10/1) من قانون العقوبات المتعلقة بسريان الأحكام الجزائية من حيث الصلاحية الشخصية.
وتنص المادة 10 من القانون: “تسري أحكام هذا القانون:1- على كل أردني – فاعلاً كان أو شريكاً محرضاً أو متدخلاً – ارتكب خارج المملكة جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون الأردني. كما تسري الأحكام المذكورة على من ذكر ولو فقد الجنسية الأردنية أو اكتسبها بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة.
2- على الجرائم التي يرتكبها خارج المملكة أي موظف أردني أثناء ممارسته وظيفته أو بمناسبة ممارسته إياها.
3- على الجرائم التي يرتكبها خارج المملكة موظفو السلك الخارجي، والقناصل الأردنيون ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي العام.
4- على كل أجنبي مقيم في المملكة الأردنية الهاشمية، فاعلاً كان أو شريكاً محرضاً أو متدخلاً، ارتكب خارج المملكة الأردنية الهاشمية جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون الأردني إذا لم يكن استرداده قد طلب أو قبل”.
ووفقًا لمحكمة التمييز فإن “المشرع الأردني قصد (بجناية أو جنحة) الأفعال المرتكبة من الأردني من حيث وصفها القانوني في قانون الدولة التي ارتكبت فيها الأفعال مشترطا بعد ذلك أن يكون القانون الأردني قد حدد عقابا على هذه الأفعال وبالمفهوم المخالف إن ارتكب الأردني أفعالا مباحة خارج المملكة فلا وجه لعقابه عليها حتى لو كان القانون الأردني يعاقب عليها طالما أنها ليست من الجرائم الواردة في المادة التاسعة من قانون العقوبات الأردني والعكس صحيح أيضا إذا كانت الأفعال المرتكبة خارج المملكة مجرمة في دولة الإقامة، لكن لا يعاقب القانون الأردني عليها فلا وجه لملاحقته عنها في المملكة”.
وعليه، فإن هذا يتطلب حتمًا ازدواجية التجريم والعقاب فإن توافرت هذه الشروط توجب ملاحقة الأردني مقترف الأفعال المنطبق عليها وصف الجناية أو الجنحة في دولة الإقامة لأن القانون الأردني يعاقب عليها وإن صدر في أي من الدولتين، سواء دولة الإقامة أو المملكة الأردنية قانون يجعل الأفعال المقترفة مباحة اختل ركن الازدواجية في التجريم والعقاب، ولا تجوز الملاحقة للمواطن الأردني إثر ذلك في المملكة الأردنية الهاشمية وإن كانت قد بدأت الملاحقة فيتوجب وقفها وإن كان هناك حكم مبرم قبل صدور القانون الجديد الذي أباح الأفعال المرتكبة يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجزائية وفقا لأحكام المادة الخامسة من قانون العقوبات الأردني.
وفي الحالة المعروضة فإن الدعوى موضوع الطلب قد فقدت أحد شروطها الرئيسة الواردة في المادة (10/1) من قانون العقوبات بأن انعدم شرط الازدواجية بصدور قانون جديد في دولة الإقامة (دولة الإمارات العربية المتحدة) رفع الحماية الجزائية عن إصدار شيك لا يقابله وفاء، وأصبح الفعل مباحا مما يستوجب معه وقف ملاحقته عن الفعل المسند إليه، وحيث إن محكمة البداية بصفتها الاستئنافية قد توصلت إلى خلاف ذلك فإنها تكون قد خالفت القانون مما يتوجب معه نقض القرار موضوع الطلب.
وفي هذا الصدد، أوضح المدير التنفيذي لمعهد القانون والمجتمع المحامي معاذ المومني أنّ معاقبة الأردني مرتكب الجريمة خارج الأردن لا يمكن تطبيقها عليه، في حال كان ارتكابه للجريمة في دولة لا تعاقب على هذا الفعل، فالأردن حتى يستطيع تطبيق العقوبة يجب أن يكون الفعل مجرّما في البلد الذي ارتكب فيه الفعل، مشيرا إلى ما نصت عليه المادة 10 من قانون العقوبات.
وذكر المومني أنّ اتفاقيّة الرياض العربية للتعاون القضائي والموقعة عليها المملكة كانت أشارت في المادة 41 “الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم” حيث ذكرت بأنّه لا يجوز التسليم في عدّة حالات ومن بينها “إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت في إقليم الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم، إلا إذا كانت هذه الجريمة قد أضرت بمصالح الطرف المتعاقد طالب التسليم وكانت قوانينه تنص على تتبع مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم.”