هلا نيوز
حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حديثه في مؤتمر عالمي مخصص للسكان والصحة والتنمية عقد في «العاصمة الإدارية» في القاهرة على المصريين من «الخروج» على الدولة، كما حصل عام 2011، لأن «التغيير الحقيقي» لا يأتي «بهدم مؤسسات الدولة» بل «بالتكاتف بين أطياف الشعب».
انتقد السيسي، في الخطاب نفسه، تصريحا لوزير الصحة خالد عبد الغفار الذي قال إن دور الدولة إرشادي فقط في موضوع الإنجاب معتبرا أن «الحرية لو لم تنظمها ستسبب كارثة» ومستشهدا بتجربة الدولة الصينية التي اتخذت بفرض سياسة الطفل الواحد وبنجاحها في «السيطرة على الزيادة السكانية» وداعيا إلى «تنظيم هجرة مشروعة إلى الدول التي تعاني من نقص المواليد».
تتجاهل النقطة الأولى أن وجود الرئيس المصري في منصبه هو أحد تداعيات ثورتين، الأولى هي ثورة 1952 التي قادها «الضباط الأحرار» والتي هدمت عمليا مؤسسات الدولة السابقة عليها، والثانية هي ثورة 2011 نفسها، التي أدت تداعياتها إلى استلامه الرئاسة.
بالإضافة إلى السابق فالدولة الصينية الحالية هي أيضا نتاج ثورة كبرى هدمت مؤسسات الدولة السابقة عليها، كما أن أسباب فرض قرار الطفل الواحد، عام 1968، كما يبيّن قرار وقفه لاحقا، كانت انعكاسا للسياسات التنموية والاقتصادية الكارثية التي اتبعتها الحكومات الصينية، وأن تغيير هذا القرار لاحقا، (رغم أن الصين حتى عام 2022 كانت الأكبر سكانا في العالم – بحدود مليار و400 مليون نسمة) كان انعكاسا أيضا لما يسمى «المعجزة الاقتصادية الصينية» التي أدت الى خروج 850 مليون من الصينيين من دائرة الفقر، وتسارع مستويات التعليم بشكل هائل الخ.
ترتبط النقطتان، مباشرة، بطريقة الرؤية العسكرية إلى العالم، حيث ينظر إلى الشعب كفرق جنود يتم ضبطها وتنظيمها وتعليمها الالتزام بالأوامر، كما ينظر إلى محاولة التعبير عن رفضها لأي أمر كـ»خروج» على الحاكم يستوجب العقاب الشديد، وهو ما شهده المصريون الذين اعتبروا «خارجين على الدولة» في عدد من الوقائع الدموية المتسلسلة منذ عام 2013، استهدفت معتصمين ومتظاهرين ونساء وحتى مشجعي فرق رياضية، وأدت لمقتل الآلاف.
اعتبر السيسي في خطاب سابق أن «الإرهاب والزيادة السكانية هما أكبر خطرين يواجهان مصر في تاريخها» فجمع بذلك بين حرية بديهية يمثّلها الإنجاب مع الخروج المسلّح على الدولة، أما في خطابه الأخير فقد اعتبر «الزيادة السكانية هي أخطر قضية تواجهها البلاد» وبذلك أصبحت الحرية البديهية في الإنجاب أكثر خطورة من الإرهاب نفسه!
باستخدام الزيادة السكانية كفزّاعة تفوق خطر الإرهاب تقوم السلطات المصرية، عمليا، بمحاولة إخفاء دورها الحاسم في الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، وفي تغطية إخفاقاتها في إدارة الموارد، السياسية والاقتصادية والبشرية، غير أن المسألة الأساسية التي تحاول السلطات إخفاءها هي المسألة السياسية، ففي ظل الحكومات العسكرية يصبح الواقع، بكافة أشكاله، عرضة للتلاعب والاستغلال، ويصبح نقد فساد الإدارة، حتى على المستوى الطبي أو التنموي أو الإعلامي، مبررا للاعتقال والتنكيل والإخفاء القسري، ويصبح أي شكل من أشكال الحرية، بما فيها حرية الانجاب، خطرا يهدد الدولة!
لقد انخفضت معدلات الإنجاب في مصر فعلا على مر العقود (وذلك لأسباب عديدة بينها المعاناة الاقتصادية) كما أن معدلات الهجرة من البلاد قد ارتفعت، وكلا الأمرين يعودان إلى معالم الانهيار الاقتصادي الحاصل في مصر، حيث أصبح الجنيه المصري في هبوط حر، وفقد 50٪ من قيمته منذ 2022، وسجلت مصر معدل تضخم سنويا قياسيا بلغ قرابة 40٪، ومصر هي أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي وهي على وشك التخلف عن السداد حيث تستهلك 40٪ من قيمة الميزانية لخدمة الديون.
كان لافتا، ضمن خطاب السيسي الأخير دفاعه عن بناء «العاصمة الإدارية» وعن خططه لبناء 24 مدينة جديدة، وهي إشارة غير مباشرة إلى قرارات الإنفاق الهائلة التي ساهمت في الوصول إلى معالم الانهيار الآنف وصفه. يشير ذلك، طبعا، إلى الشعور بالمسؤولية عما يحصل، كما أن التهديف على الإنجاب و«تكاليف» الثورة، يشيران إلى الرغبة في توجيه الأنظار بعيدا عن تلك المسؤولية، كما إلى القلق من إمكانية انفجار الغضب الشعبي من جديد.