يواصل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، أعماله لليوم الثاني على التوالي في شرم الشيخ المصرية، حيث يركز الاثنين محور الأمن الغذائي في مختلف جوانبه، بما في ذلك أبعاد التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأثرت تغيرات المناخ على عدة قطاعات من الاقتصادات والأنشطة المحلية، ولا سيما الزراعة وإنتاج الغذاء، وزادت من ذلك التحديات الأخرى سواء كانت جيوسياسية أو تكلفة التمويل أو سلاسل التوريد ذات الصلة.
ويستمر الطلب العالمي على الغذاء في النمو، حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.6 مليار نسمة بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه ، يعاني 820 مليون شخص من الجوع اعتبارًا من عام 2021، بينما يستمر تغير المناخ في إحداث آثار خطيرة على الأراضي الزراعية وإنتاجية الثروة الحيوانية.
وتقدر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن إنتاجية الأراضي الزراعية انخفضت بالفعل بنسبة 21٪ مقارنة بالسيناريو الذي لم يتغير فيه المناخ، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الشديد (الإضرار بصحة التربة)، إلى جانب زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون (تقليل الجودة الغذائية للمحاصيل).
إضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث انخفاض آخر بنسبة 17٪ في غلات الحبوب الخشنة والبذور الزيتية والقمح والأرز بحلول عام 2050 تتابعا مع سيناريو أعلى زيادة في درجات الحرارة أعلنت عنه هذه الهيئة الدولية.
ويتأثر الإنتاج الحيواني بشدة بالصدمات المناخية، التي أصبحت متكررة بشكل متزايد، حيث جرى تسجيل خسائر تتراوح بين 20 و60٪ في عدد الحيوانات خلال أحداث الجفاف الخطيرة في العقود الماضية.
إلى جانب كونها عرضة لتأثير تغير المناخ، فإن النظم الغذائية هي أيضًا مساهم رئيسي في انبعاثات غازات الدفيئة (نحو ثلث الانبعاثات العالمية). لذا، من الضروري أن تتطور النظم الغذائية لتلبية الطلب المتزايد على الصعيد العالمي على نحو مستدام.
وفي وقت زيادة انعدام الأمن الغذائي، يركز المؤتمر العالمي على إجراء مناقشات عميقة حول طرق التعامل مع الزيادة المطلوبة في الإنتاجية الزراعية، والتحول إلى الزراعة المرنة، وتقليل الخسائر في سلسلة إنتاج الغذاء بما في ذلك من خلال حلول التبريد، وضمان اتخاذ التدابير ذات الصلة للاستدامة الأمن الغذائي وإدارة أي أزمة غذائية محتملة.
حدد العلم عدة أمور على أنها آثار لتغير المناخ، وهي فقدان سبل العيش والدخل في الأرياف؛ فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية وسبل العيش، فقدان النظم الإيكولوجية الأرضية والمياه الداخلية وسبل العيش، وانعدام الأمن الغذائي وانهيار النظم الغذائية.
– مرصد للأمن الغذائي في الأردن –
يستورد الأردن غذاء تبلغ قيمته نحو 4 مليارات دولار سنويا، جزء منه موادّ أولية للصناعة، والآخر جاهز للاستهلاك، وفق غرفة تجارة الأردن.
وفي 29 آب/أغسطس الماضي، أطلق الأردن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021 – 2030 وخطتها التنفيذية للأعوام 2022 – 2024، وهي أول استراتيجية تُعدّ للأمن الغذائي في المملكة بحسب ما ذكرت وزارة الزراعة.
وتأتي الاستراتيجية تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني بأن يكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي، حيث أكد جلالته، في عدة لقاءات أنّ “موقع الأردن الاستراتيجي يؤهله للعمل كمركز إقليمي للغذاء”.
وقال جلالته خلال مشاركته في حوار “بورلوغ” الدولي، الذي تنظمه مؤسسة جائزة الغذاء العالمية لعام 2020، إن “التعاون أساس العمل الإقليمي والعالمي، ولطالما وقف الأردنيون إلى جانب الشعوب في المنطقة وقدموا الدعم لهم؛ إذ إن موقعنا الاستراتيجي، في نقطة تلاقي إفريقيا وآسيا وأوروبا، يمكّن الأردن من تسهيل وتنسيق العمل الدولي، بالإضافة إلى إمكانية عمله كمركز إقليمي للغذاء، مما يسرّع ويعزز الاستجابة العالمية للأزمات الغذائية والكوارث”.
واتفق وزراء زراعة الأردن وسوريا ولبنان والعراق، على دعم مبادرة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في استضافة الأردن المرصد الإقليمي للأمن الغذائي، ليكون له دور في رسم السياسات، وتقديم الحلول الناجعة والعاجلة لقضايا الأمن الغذائي المختلفة.
وأوصوا بإجراء دراسة من برنامج الأغذية العالمي حول إمكانية إنشاء مركز إقليمي للأمن الغذائي ومركز إقليمي للمساعدات الغذائية الطارئة في الأردن وبما يعزز الخدمات ويرفع قدرة الاستجابة للأزمات في المنطقة.
واقترحت رؤية التحديث الاقتصادي، تأسيس جهة متخصصة بالأمن الغذائي، إلى جانب مركز وطني لأبحاث الأمن الغذائي، كجزء من مبادرات متعلقة بالزراعة والأمن الغذائي.
وعرضت الرؤية الإمكانات الاستراتيجية وأولويات القطاع الزراعي ومنها: تحويل الأردن إلى مركز إقليمي للإنتاج الزراعي مع ضمان استدامة الأمن الغذائي لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية على الصعيد المحلي، واستخدام أحدث التقنيات الزراعية والحلول الذكية لتجديد أساليب الإنتاج الزراعي، ولجعل المملكة مركزا إقليميا لتصدير الإنتاج الزراعي.
ويعتبر قطاع المواد الغذائية من القطاعات التجارية الرئيسة المهمة بالأردن، ويضم حاليا 14 ألف شركة تتوزع بين المستوردين وتجار الجملة ومحلات التجزئة في عموم البلاد وفرت ما يقارب 200 ألف فرصة عمل غالبيتها لأردنيين، وفق غرفة تجارة الأردن.
صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة، قدم للأردن منحة بقيمة 25 مليون دولار من أصل 33.2 مليون لمشروع لبناء المرونة المناخية من خلال ممارسات أفضل لإدارة المياه، حيث تأتي المنحة في وقت حرج، والتغير المناخي وشح المياه يهددان الأمن الغذائي والمائي في المملكة.
وسيفيد المشروع، بحسب الأمم المتحدة، 212416 شخصا (47% منهم من النساء) في 4 مناطق مستهدفة في حوض البحر الميت – محافظات الكرك ومأدبا والطفيلة ومعان – التي تعتبر معرضة بشكل خاص للتغير المناخي والتوتر المائي المحفز مناخيا.
وستساعد منحة صندوق المناخ الأخضر البالغة 25 مليون دولار على “دعم أهداف سياسة التغير المناخي الخاصة في الأردن (2013 – 2020) من خلال بناء القدرة التكيفية للمجتمعات والمؤسسات، ومن خلال زيادة كفاءة أنظمة إدارة المياه في المملكة”، بينما ستساهم الحكومة الأردنية وشركاء آخرون بنحو 8 ملايين دولار.
في حين، ستقوم منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بـ “تنفيذ مشروع يمتد لـ 7 سنوات بالتزامن مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وعدد من البلديات ذات الصلة والمؤسسات الخاصة والعامة والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة الآخرين”، وستساهم الحكومة الأردنية بما قيمته 6.1 مليون دولار في تمويل المشروع بشكل مشترك.
وفي تقرير المعرفة قوة بعنوان “مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021: نتائج مشجّعة للأردن” الذي أصدره منتدى الاستراتيجيات الأردني، فإن الأردن أظهر تحسناً ملموساً مقارنة بالترتيب العالمي الذي حصل عليه في العام 2020، متقدماً بـ 13 مرتبة؛ أي من المرتبة 62 عالمياً في العام 2020 إلى المرتبة 49 عالمياً في العام 2021. وقد جاء الأردن بالمرتبة السابعة عربياً، وحصل على المرتبة الـ 49 عالميًا وبدرجة (64.6%).
وفيما يخص أداء الأردن ضمن المحاور الأربعة الرئيسية لمؤشر الأمن الغذائي 2021؛ بينت الورقة بأن أداء الأردن كان جيداً ضمن محور ” القدرة على تحمل تكاليف الغذاء” حيث حقق الأردن المرتبة 42 عالمياً والثالث عربياً ضمن هذا المحور. كما حقق الأردن أداءً مميزاً ضمن محور “الموارد الطبيعية ومواجهة المخاطر” حيث تصدر الأردن كافة الدول العربية وجاء في المرتبة 36 عالمياً.
أما فيما يتعلق بمحوري “جودة الغذاء وسلامته” و”القدرة على توفير الغذاء “؛ أشارت الورقة إلى أن الأردن أظهر أداءً ضعيفاً نسبياً من حيث الترتيب؛ حيث جاء الأردن بالمرتبة 64 عالمياً وحصل على المرتبة الـ 9 بين الدول العربية في محور “جودة الغذاء وسلامته”؛ وفيما يتعلق بمحور “القدرة على توفير الغذاء” جاء الأردن بالمرتبة 64 عالمياً والمرتبة 9 عربياً.
– إنجازات عالمية –
بُذلت جهود وجرى إحراز تقدم على الصعيد العالمي لتحديد النهج ذات الإمكانات العالية ووضع استراتيجيات لتحويل النظم الغذائية العالمية على النحو التالي:
إنشاء مؤتمر المناخ “عمل كورونيفيا المشترك بشأن الزراعة (KJWA)” عام 2017، حيث أسهم في دمج التربة واستخدام المغذيات والمياه والثروة الحيوانية ويحدد طرق تقييم التكيف والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وأبعاد الأمن الغذائي لتغير المناخ، ويحدد مناهج تحويل النظم الغذائية، ويشجع على الالتزام بالعمل على المتابعة.
وقعت أكثر من 100 دولة لتطوير استراتيجيات وطنية لتحويل النظم الغذائية في قمة الأمم المتحدة لنظم الأغذية لعام 2021، حيث تستكشف المشاريع التجريبية في جميع أنحاء إفريقيا استراتيجيات لمكافأة المزارعين الذين يطبقون برنامج HYRAP بتمويل الكربون، وأدرج نحو 90٪ من البلدان النامية التكيف في المساهمات المحددة وطنيًا، مع الزراعة كأحد الجوانب الرئيسية.
توسيع نطاق الطموح المتعلق بالمناخ بشأن استخدام الأراضي والزراعة من خلال المساهمات المحددة وطنياً وخطط التكيف الوطنية (SCALA)، حيث أطلقت برنامج مدته خمس سنوات من منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف تحويل قطاعات الزراعة الحساسة للمناخ.
إطلاق برنامج الشباب من أجل الزراعة الخضراء والمقاومة للمناخ (YCRA) من منظمة الأغذية والزراعة وIAAS، لدعم وتعزيز المشاريع التي يقودها الشباب في قطاع الزراعة.
صندوق المناخ الأخضر “GCF”، الذي استثمر أكثر من 1.6 مليار دولار لدعم المزارعين المالكين لحيازات صغيرة والقائمين على التكيف مع تغير المناخ وتلبية الطلب العالمي المتزايد على الغذاء، حيث يركز الصندوق الأخضر للمناخ على ثلاثة مسارات تحول؛ دعم الزراعة المرنة، ودعم أنظمة الإنذار المبكر للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وإعادة تشكيل سلاسل الإمدادات الغذائية، وضمان وصول المحاصيل إلى الأسواق بسهولة أكبر، وتقليل الفاقد والمهدر من الأغذية.
وعلى الرغم من الجهود المستمرة لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل، حيث ينطوي التحول نحو نظم غذائية عالمية مستدامة على التقدم في نفس الوقت على ثلاث جبهات، وهي الإنتاج بطرق ذكية / مستدامة مناخياً ستستمر في تحسين الإنتاجية مع خفض الانبعاثات وتعزيز مرونة إنتاج الغذاء في مواجهة الطقس القاسي والصدمات.
إضافة إلى الحد من فقد الغذاء (حاليًا ~ 33٪ من إنتاج الغذاء العالمي) عبر مراحل الحصاد والنقل والاستهلاك؛ وتعزيز الوصول إلى سلاسل التبريد (يتم فقدان 13٪ من الإنتاج الغذائي العالمي بسبب نقص سلاسل التبريد)
وتشكيل الطلب على الغذاء باتجاه أنظمة غذائية يمكن أن تظل ضمن حدود الكوكب، بما في ذلك خفض استهلاك اللحوم، وتطوير البدائل، وتحفيز التحول نحو المزيد من النباتات والمحاصيل والحبوب المحلية (وبالتالي تقليل الاعتماد الحالي على القمح والذرة والأرز والبطاطا وزيادة مرونة الزراعة).