أ. د. جاسم الفلاحي
تشهد بغداد في الآونة الأخيرة مستويات مرتفعة من تلوث الهواء، مما أثار مخاوف جدية لدى السكان والجهات المعنية، وهذا الوضع يتطلب استجابات عاجلة وسياسات فعالة للحد من التلوث وتحسين جودة الهواء.
ويمكن أن تلعب القوانين دورًا حاسمًا في مكافحة تلوث الهواء من خلال فرض عقوبات صارمة على الجهات التي تسهم في زيادة الانبعاثات الضارة، لذا فإنه يجب تحديث التشريعات البيئية لتشمل معايير جودة الهواء الصارمة ووضع حدود واضحة لانبعاثات المصانع والسيارات، وحيث أن العراق يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وهو من الأسباب الرئيسية لتلوث الهواء. و يمكن للحكومة أن تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لخفض معدلات الانبعاثات.
وتشكل السيارات أحد أهم المصادر الرئيسية للتلوث في بغداد لذا فإن تحسين وسائل النقل العام وجعلها أكثر كفاءة وجاذبية يمكن أن يقلل من عدد السيارات الخاصة على الطرق، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات الانبعاثات، كما ويعتبر حرق النفايات مصدرًا اساسيا للتلوث في بغداد، فلا بد أن يتم الإعتماد على استراتيجيات لإعادة تدوير النفايات والتخلص منها بطريقة صديقة للبيئة، مثل استخدام التقنيات الحديثة في إدارة النفايات وتحسين نوعية الوقود المستعمل في المصانع ومحطات توليد الكهرباء فضلا عن متابعة الانشطة الملوثة مثل كور الصهر،و زيادة مساحات التشجير والتي تلعب دورا مهما في امتصاص ثاني أكسيد الكربون واطلاق الأكسجين، مما يؤدي الى تحسن جودة الهواء ، …لذا فقد قامت وزارة البيئة وبتوجيه من دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير البيئة بوضع خطط وبرامج واستراتيجيات للتعامل مع هذا التحدي الجدي عن طريق الشروع ببرامج رصد وانذار مبكر و لزيادة المساحات الخضراء في بغداد وايقاف التجريف العشوائي ويبقى الجهد الحكومي قاصرا ولا يحقق نتائج فعالة دون الدعم والمساهمة المجتمعية ، حيث بات من الضروري البدء بعمل حملات توعية مكثفة حول تأثير تلوث الهواء على الصحة العامة وضرورة ان تتخذ الجهات البلدية والصحية الاجراءات اللازمة مع ضرورة دعم قطاع التوهية والاعلام البيئي كميا ونوعيا لتمكينه من اداء الواجبات المناطة به..كما
ويمكن للمدارس والجامعات أن تلعب دورًا محوريًا في هذه الجهود، فضلًا عن وجود حاجة ملحة إلى أنظمة حديثة لمراقبة جودة الهواء في بغداد بشكل مستمر، حيث يمكن استخدام هذه البيانات لتحديد المناطق الأكثر تلوثًا واتخاذ إجراءات فورية لمعالجتها، وفي هذا السياق قام العراق بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية للاستفادة من الخبرات والدعم الفني في مواجهة تلوث الهواء، للمساهمة من خلال هذه الشراكات في تطوير برامج مستدامة لتحسين جودة الهواء.
إذا تم تطبيق هذه السياسات والاستراتيجيات بشكل فعال، فمن الممكن تقليل مستويات التلوث في بغداد بشكل كبير، وهذا لا يؤدي فقط إلى تحسين جودة الهواء، بل يسهم أيضًا في تعزيز صحة السكان ورفع جودة الحياة بشكل عام، علاوة على ذلك، يمكن لهذه الإجراءات أن تكون نموذجًا يُحتذى به لبقية المدن العراقية التي تعاني من مشاكل بيئية مشابهة.
إن التصدي لتلوث الهواء في بغداد ليس مجرد مسألة بيئية، بل هو استثمار في مستقبل العراق وصحة شعبه، لذا فلا بد أن تكون هناك إرادة سياسية قوية وجهود مشتركة بين الحكومة والمجتمع لتحقيق هذا الهدف وفق رؤية ومنهج علمي لبناء منظومة وطنية قادرة على تحقيق استدامة جودة الهواء المحيط.