هلا نيوز – تعتبر قرغيزستان بلدا معزولا جغرافيا، ورغم تضاريسها الجبلية العالية فقد وقعت بشكل متكرر تحت هيمنة دول أجنبية، كان آخرها روسيا التي احتلتها عام 1876، وقوبلت بثورات عديدة من السكان، ولم تتمكن من الحصول على وجودها كدولة قومية مستقلة إلا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991.
تحتفظ قرغيزستان بعلاقة غريبة مع روسيا، فرغم تاريخ القمع، خلال الاحتلال القيصري ثم السوفييتي، والذي جعل الكثير من سكانها يهربون إلى بلدان أخرى، فإن قرغيزستان (إضافة إلى كازاخستان) هي الجمهورية الوحيدة من منظومة الاتحاد السوفييتي السابق التي ما تزال تحتفظ بالروسية كلغة رسمية، ورغم إضافة القرغيزية (التي هي إحدى اللغات التركية) منذ عام 1991، كلغة رسميّة أخرى للبلاد فإن معظم الشؤون السياسية والأعمال التجارية في البلاد تمارس بالروسية.
قرغيزستان هي دولة عضو في «منظمة شنغهاي» وهي الكيان الأمني الذي تعتبر روسيا والصين، القوتين المحرّكتين له، وعدد سكانها يقارب 6,5 مليون، فيما أن عدد سكان روسيا هو 144 مليونا، وفي عام 2010، حين حصلت اشتباكات عرقية في البلاد، طلبت الحكومة القرغيزية العون من موسكو التي اكتفت بإرسال كتيبة «لحماية المنشآت الروسية» وتمخض الاستياء الشعبي عن خلع الرئيس، الذي هرب إلى كازاخستان المجاورة، بوساطة روسية – أمريكية، واعتقال وزير دفاعه.
تتواجه قرغيزستان حاليا مع طاجيكستان، وهي دولة جبلية حبيسة (ليست لها حدود بحرية) وبعض مناطقها مطوّقة من قرغيزستان وأوزبكستان، ويقدر عدد سكانها بثمانية ملايين نسمة، كما أن لأوزبكستان تاريخا مريرا مع روسيا حيث شهدت عدة انتفاضات خلال الفترة القيصرية، كما شهدت قمعا شديدا خلال المرحلة السوفييتية، حيث تعرضت لمجاعة.
ضمن هذا السياق التاريخي، يشكّل تأخر رئيس قرغيزستان، صادر جباروف، على اجتماع له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماعات منظمة شنغهاي في سمرقند، الذي وقف في انتظاره نصف دقيقة، فيما آلات التصوير تراقب الموقف المحرج، حدثا لافتا.
سبب الإحراج بالطبع هو أن بوتين لديه تاريخ طويل في استخدام هذا التكتيك لإحراج زعماء العالم، مثل اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على طاولة طويلة جدا، لإعطاء رسالة عن حجم الفجوة بين روسيا وأوروبا، وكذلك تركه ماكرون، خلال مؤتمر صحافي، يمشي وراءه ليلحقه على بعد أربعة أمتار.
وفي آذار/مارس 2020، استقبل بوتين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعد أسبوع من مقتل 34 جنديا تركيا في قصف جوي روسي شمال غرب سوريا، وتصرّف بوتين بطريقة تقصد فيها إغضاب اردوغان، حيث أبقاه منتظرا مدة طويلة، قبل أن يطلب منه الجلوس تحت ساعة وضع فوقها تمثال برونزي للامبراطورة كاثرين الثانية التي هزمت الإمبراطورية العثمانية عام 1783 وانتزعت منها شبه جزيرة القرم.
وفي عام 2007، بينما كانت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في زيارة لمدينة سوشي في روسيا تتحدث مع رئيسها دخل كلب أسود ضخم لبوتين وأخذ يتمسّح بساقيها ويشمّها، في استغلال لمعلومة أن ميركل تعاني من رهاب الكلاب منذ أن عضّها كلب عام 1995، وقد صرّحت بعدها أن الرئيس الروسي يعرف بقضية خوفها من الكلاب.
هناك حوادث كثيرة أخرى، ومنها مع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي تعرّض عام 2007 لتهديد مباشر من قبل بوتين، بعد تعرّضه لمسائل انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا، حيث أوردت مصادر إعلامية أن بوتين قال له: «إذا استمريت بالحديث بهذه النبرة فسأسحقك».
كان الرئيس التركي اردوغان، أوّل من ردّوا على إهانة نظيره الروسي، حين جعله ينتظر قرابة دقيقة خلال اجتماع مرسوم بينهما في طهران، في ردّ منه على الإهانة السابقة المدروسة والكبيرة التي تلقّاها، وقد تلقّف خصوم الرئيس الروسي الواقعة الجديدة، كما فعل مستشار وزير داخلية أوكرانيا، الذي شارك المقطع على حسابه في تويتر معلّقا أن «بوتين تعرض للإذلال علنا مرة أخرى. في السابق كان زعيم الكرملين يجعل زعماء العالم ينتظرونه. الآن يسمح رئيس قرغيزستان لنفسه بالتأخر عن لقاء مع بوتين».
الحركة البسيطة ليست، بمقاييس بوتين نفسه، بسيطة أبدا، ومن المؤكد أنها ستغضبه، والأغلب أن جباروف، ما كان ليفعلها، لولا إدراكه للمأزق الكبير الذي أوقع بوتين بلاده فيه، بسبب اجتياحه لأوكرانيا، غير أن مجيئه من قرغيزستان، البلد الصغير الجبلي المعزول، الذي يتواجه على الحدود مع قوات طاجيكستان، يبدو أمرا جللا وذا دلالات كبيرة.