لم يكن الإصلاح الذي اتخذه الأردن نهج عمل، خيارا يدخل بمساحات التطبيق من عدمه، إنما كان قرارا حاسما يؤخذ به على محمل التطبيق؛ ما جعل من خطى تحقيقه جميعها تدخل حيّز التنفيذ بتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني ومتابعة شخصية من جلالته، ليصبح اليوم وبعد مرور أكثر من عامين على إطلاق خطاه واقعا ملموسا سياسيا واقتصاديا وإداريا.
اليوم، يمكن القول إن الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني قطع شوطا كبيرا إن لم يكن أنجز الجزء الأكبر من الاصلاح السياسي، تلاه الاقتصادي، وصولا للإصلاح والتحديث الإداري، حيث وضعت الحكومة تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك خطط عمل لجعل الإصلاح اليوم منظومة متكاملة تنعكس على الوطن والمواطن الذي بات يلمس عمليا الإصلاح وعلى كافة الصعد.
في الشأن الإصلاحي، وضع جلالة الملك عبد الله الثاني رؤى مثالية، وصولا لمنظومة إصلاحية قابلة للتطبيق العملي، ووضع جلالته تفاصيل إصلاحية جوهرية في الأوراق النقاشية لجلالته، مرورا بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وكان أن حقق الأردن واقعا إصلاحيا سياسيا نموذجيا، أثمر عن ترتيب البيت الحزبي بشكل جذري، وسيتم خلال العام الحالي كأبرز ما تضمنته خريطة طريقه إجراء انتخابات نيابية بقانون جديد يجعل منها انتخابات مختلفة من ألفها إلى يائها، تحضر بها الأحزاب والمرأة والشباب بصيغ مختلفة لجهة الإيجابية. ومضى مركب الإصلاح وصولا لإطلاق رؤية التحديث الاقتصادي التي جاءت بعد حوارات ونقاشات متعددة، تلاها الإعلان عن خريطة تحديث القطاع العام، ما جعل الإصلاح في عهد جلالته نهج عمل وصيغة إنتاجية وصولا لمنظومة متكاملة ملموسة النتائج.
اليوم، والأردن يحتفل بعيد ميلاد جلالة الملك نجد أنفسنا أمام حزمة من الإنجازات التي قدّمها جلالة الملك على كافة الأصعدة، والمجالات، ويعدّ الشأن الاصلاحي إحداها، إذ وضعه جلالة الملك أولوية مهمة، وأساسا لدخول المملكة المئوية الثانية، جاعلا من القادم مرحلة عمل لجعل الإصلاح أسلوب عمل وتنمية وتطوّر، فلم يعد مقبولا البقاء في دائرة البحث والدراسات والقراءات، لا سيما مع وجود إرادة سياسية عليا من قائد الإصلاح جلالة الملك عبد الله الثاني بضرورة إحداث ثورة بيضاء لتحقيقه، كونه أصبح حاجة تفرضها متطلبات المرحلة.
في الأردن، الدرب ممهد لتحقيق الإصلاح المثالي الذي أشارت له أعرق مدارس الإصلاح في العالم، نظرا لتوفّر الإرادة السياسية العليا بحرص ملكي على تطبيقه، إضافة إلى سعي الكثيرين لتحقيق منظومة متكاملة من الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري مبنية على الأوراق النقاشية السبع لجلالة الملك، ورؤى جلالته، التي تعدّ خريطة طريق متكاملة لتحقيق الإصلاح بجديّة وواقعية. وفي قراءة خاصة لـ”الدستور” لواقع الاصلاح في عهد جلالة الملك، يمكن التأكيد أن جلالته جعل من الإصلاح حالة عمل حقيقية قادت وتقود البلاد إلى واقع إصلاحي مثالي، مجسّد على أرض الواقع، من خلال العديد من التوجيهات المباشرة والمتابعة الشخصية من جلالته، فكان أن تحققت وطبقت تفاصيل إصلاحية كبيرة.
والحكومة بدأت منذ أكثر من عامين باتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ توجيهات جلالة الملك في الشأن الاصلاحي، واضعة خطة عمل بدأتها بتطبيق مخرجات اللجنة الملكية للتحديث الساسي، تلاه العمل على تطبيق الإصلاح الاقتصادي وفق رؤى وضعتها حزمة من النقاشات والحوارات، ومن ثم جاء الإصلاح الاداري، الذي قُطع شوط كبير من خططه، وكان أحدثها الجانب المتعلق بديوان الخدمة المدنية إذ بدأ العمل به على أساس هيئة الخدمة والإدارة العامة.
سياسيون وحزبيون ونواب أكدوا لـ”الدستور” أن الإصلاح بعهد جلالة الملك قفز نحو أعلى هرم العمل الإصلاحي في أضلعه الثلاثة السياسية والاقتصادية والإدارية، وباتت الكثير من الآمال بهذه الأطر واقعا ملموسا، ومن أبرزها وجود حياة حزبية حقيقية، وإجراء الانتخابات النيابية بموجب قانون جديد يقرّب من تشكيل حكومات حزبية، إضافة إلى ترشيق الجهاز الحكومي ومعالجة تشوهاته ووضع صيغ للتعيينات جديدة ومختلفة.
وأوضح المتحدثون أن الإصلاح به الأهم والمهم، وكان الإصلاح السياسي الأهم، وهو ما حققه الأردن بقيادة جلالة الملك وقطع به شوطا كبيرا، مبنيا على تشريعات إصلاحية، مهمة، وبالطبع الإصلاح الاقتصادي يعدّ مهما بعد تحقيق السياسي ليأتي بعد ذلك الإداري، مبينين أن الحكومة تمكنت من تحقيق تقدّم كبير في منظومة الإصلاح تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك ومتابعته الشخصية.
عدنان بدران
رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران أكد أننا اليوم بحاجة إلى إصلاح سياسي أولا، ذلك أنه إذا لم يحدث الإصلاح السياسي فليس هناك إصلاح اقتصادي أو إداري، فالإصلاح السياسي مظلتها وأساسها، ومنه تنطلق مسارات الإصلاح الأخرى.
وبين بدران أن المنظومة السياسية هي التي تنمّي الحكومات البرلمانية، فمن خلال هذا الإصلاح يتم إعداد قوانين حاضنة للإصلاح، تحديدا إذا تحدثنا عن قانوني الأحزاب والانتخاب، والأهم تعزيز ثقافة الأحزاب والعمل الحزبي، فالأحزاب هي التي تنمّي العمل الصالح وهي التي تنمّي الاقتصاد والاعتماد على الذات وسيادة القانون وعملية الاستقلال الذاتي، لذلك فإن منظومة الإصلاح السياسي هي الأساس وهي بداية الطريق للإصلاح بشكله الكامل.
واعتبر بدران أن الأوراق النقاشية التي كتبها جلالة الملك تشكل رؤية هيكلية لإصلاح سياسي واقتصادي وإداري شامل، لذلك من المهم أن يؤخذ بها على محمل التطبيق، وأن يؤخذ بكل توجيهات جلالة الملك الإصلاحية على محمل الجد والتنفيذ.
محمد المومني
الوزير الأسبق عضو مجلس الأعيان، الأمين العام لحزب الميثاق الوطني محمد المومني قال: قناعتي أن ما يحدث في المملكة في الشأن الإصلاحي تاريخي بكل المقاييس، فمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كانت قفزة نوعية مدروسة ومهمة لجهة الإصلاح السياسي وأتت بخطوات وتشريعات نوعية من شأنها أن تؤسس لقواعد عمل سياسية جديدة ديمقراطية وحضارية.
وأضاف المومني: الآن في مرحلة ما بعد التحديث السياسي بدأت باكورة العمل المتقدم في هذا الاتجاه، أولا تقلّص عدد الأحزاب من الخمسينات، ثانيا الأحزاب أصبح لديها حضور وطني وتفاعل سياسي مع القضايا العامة، وهناك حالة من الانتباه من قبل الرأي العام الأردني والناخبين الأردنيين لما تفعله الأحزاب، وأي الأحزاب أقرب لهم، وما هي طروحات هذه الأحزاب، وهذا سيستمر بالحدوث ويشتد كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، وبالتالي وجود التشريعات الناظمة ووجود قائمة وطنية محصورة للأحزاب، وبوجود “عتبة” وقائمة مقدرة بـ (41) مقعدا من (138) عضوا بمجلس النواب، هذا أعطى زخما قويا جدا للعمل الحزبي، وبالتالي الآن الأحزاب معنية تماما بالاستمرار في الحديث عن رؤاها ومبادئها ومواقفها.
ولفت المومني إلى أن “وثائق حزب الميثاق الوطني استندت بإنتاج أدبياتنا المختلفة، سواء كان النظام الداخلي أو الاستراتيجية إلى وثائق متعددة من أبرزها الأوراق النقاشية لجلالة الملك، والدستور الأردني ورؤية التحديث الاقتصادي، والسياسي والقطاع العام، وجميعها من الوثائق المرجعية التي نعود لها”.
وأضاف: نعم، الحقيقة هذه الأدبيات العميقة في الأوراق النقاشية كانت نبراسا لنا في كثير من عملنا، فقد أسست الأوراق لمفاهيم سياسية حضارية متقدمة وهذا له انعكاس كبير على عملنا”.
باسم الطويسي
من جانبه، قال الوزير الأسبق الدكتور باسم الطويسي: تحتاج الدولة الأردنية وهي تدخل المئوية الثانية إلى مشروع تحديث وطني كبير، يبدأ في تحديث الدولة ومؤسساتها السياسية والإدارية وتحديث خياراتها الاقتصادية. وتحديث الدولة هو المدخل والأداة الموثوقة لتحديث المجتمع الأردني، لذا لا يمكن فصل مسارات الإصلاح عن بعضها البعض، ونحن بحاجة إلى منظور التحديث أكثر من منظور الإصلاح، بمعنى حركة واسعة لإعادة تنظيم المجتمع الأردني حول رؤية جديدة تعيد بناء الخيارات الوطنية نحو الاعتماد على الذات وتجذير النهج الديمقراطي في البنى الاجتماعية، وهو ما وجّه به جلالة الملك ويتم تطبيقه منذ قرابة العامين.
ولفت الطويسي إلى أن الأوراق الملكية النقاشية لجلالة الملك تعد تجديدا لفلسفة الدولة الأردنية السياسية والاجتماعية، وإضافة نوعية على درجة كبيرة من الأهمية للحياة السياسية، وشكلت حالة فارقة في إدارة الحكم في العالم العربي، فجلالة الملك قدم من خلال هذه الأوراق صيغة حداثية مبتكرة ومتقدمة لإدارة النقاش العام، وقدم سلسلة من المفاتيح لتحديث الدولة والمجتمع.
وبين الطويسي أنه على الرغم من أن منهج جلالة الملك في إدارة البلاد، على مدى أكثر من عقدين من الحكم، يتبع مدرسة التطور وليس مدرسة الثورة والتغيير الجذري، إلا أن أفكار الملك وخطابه في ملف التحديث السياسي أخذ يميل نحو منطقة جديدة، بين مدرستي التطور والثورة، فما يزال منهج التطور هو الطريق، ولكن بروح ثورية غير مسبوقة، فرؤية جلالة الملك تتقدم الجميع، ونلمس هذه الروح في خطاب سياسي يتجاوز الأطر المطروحة والتوقعات.
ونبّه الطويسي بأن الجيل الذي يتشكل هذه الأيام مخول أن يقود الأردن خلال 15 إلى 20 عاما قادما، ومن المفترض أن أمامه وصفة شبه مكتملة تتمثل في هذه الأوراق النقاشية، وفي رؤى جلالته الإصلاحية، وعليه أن يعمل في بيئة مختلفة.
عاطف عضيبات
وأكد الوزير الأسبق عاطف عضيبات أن الإصلاح السياسي الذي أصبح واقعا اليوم هو الرافعة للإصلاح الاقتصادي والإداري، فجميع تجارب عمليات الإصلاح في العالم تبدأ في الإصلاح السياسي، فأوروبا على سبيل المثال بدأت بالإصلاح السياسي الذي خلص المجتمع من الوهم والخزعبلات، وهيأه إلى فكر سياسي إصلاحي.
وأضاف عضيبات: لا يعقل أن يتم القفز بالإصلاح الاقتصادي والإداري قبل السياسي؛ لأن الإصلاح السياسي الحقيقي أو الفعلي سيقود حتما إلى إاصلاحات اقتصادية وإدارية، تحديدا إذا ما تحققت صيغ عملية لتتقدم الأحزاب للانتخابات، من خلال برامج الأصل أن ينتج على أساسها مشروع إصلاح اقتصادي إداري بشكل عملي.
وشدد عضيبات على أن الأوراق النقاشية لجلالة الملك تشكّل خريطة طريق للإصلاح والوصول إلى حكومات برلمانية، وهذه الأوراق عرضت مبادئ واضحة ورؤية متقدمة للوصول إلى حكومات برلمانية، فقد وضع جلالة الملك في هذه الأوراق تفاصيل مهمة وثرية بالشأن السياسي والدستوري، ونهجا ديمقراطيا تتسم به أعرق الديمقراطيات في العالم، إضافة لحديث جلالته عن المواطنة الفاعلة، ذلك أنه دون الوصول لعملية التمكين الديمقراطي والوصول إلى مرحلة المواطنة الفاعلة تصبح العملية الديمقراطية شكلية وغير منتجة أو محققة لأهدافها.
وأضاف: لذا فإن الأوراق النقاشية تعدّ نهج عمل واضحا للإصلاح وتعزيز النهج الديمقراطي الذي يأمله الجميع، وهي تجيب عن كافة الأسئلة المطروحة اليوم في الشأن الإصلاحي، وتجعله نهج عمل حقيقيا وعمليا.
ورأى عضيبات أن الأحزاب هي روح الديمقراطية، وهي أساس الانتخابات فلا يمكن أن تجري الانتخابات في أي دولة من الدول التي تجذرت بها الديمقراطية دون أحزاب، لكن بأن تكون هذه الأحزاب مشكّلة على أساس المبادئ، ولا تتمحور حول الأشخاص، وأنه لا بد لهذه الأحزاب من أن تكون متغلغلة في المجتمع وعابرة لفئاته المختلفة، وأن الأحزاب اليوم باتت واقعا.
أسماء الرواحنة
من جانبها، قالت النائب أسماء الرواحنة: عندما نتحدث عن مسيرة الإصلاح في المملكة، فنحن نتحدث عن حالة عمل مستمرة، ليأتي جلالة الملك عبد الله الثاني ويطلق ثورة بيضاء لجهة إصلاح شامل متكامل، تبدأ به المملكة مئويتها الثانية؛ الأمر الذي يمنح هذا الملف أهمية كبرى مدعومة بشكل مباشر من جلالة الملك شخصيا.
واعتبرت الرواحنة أن الإصلاح حلقة واحدة متشابكة أطرافها بعضها ببعض، إذا ما أردنا إصلاحا نموذجيا، وفق ما أشار له جلالة الملك، “فعلينا التأكيد على هذا الأمر، الإصلاح متشابك وعلينا أن نضع مساراته جميعها محل التنفيذ، وأن يسير الإصلاح الإداري ثم الاقتصادي ثم السياسي، مع التركيز على الإصلاح الاقتصادي الصحيح الذي يولّد إصلاحا إداريا، وسياسيا، ولا يمكن لأي من هذه القواعد أن تحدث واحدة دون الأخرى”.
وأشارت إلى أن الإصلاح السياسي اليوم يسير بمساره الصحيح والسليم ووفق نهج صحيح، وبالطبع قُطع شوط كبير في الجانبين الإداري والاقتصادي. وبينت الرواحنة أن الإصلاح السياسي اليوم بات واقعا ملموسا، نجني ثماره الإصلاحية بوجود أحزاب فاعلة، وبالطبع سيتم إجراء الانتخابات النيابية هذا العام بإطار تشريعات إصلاحية تمنح الأحزاب مساحات واسعة، وكذلك المرأة والشباب.
وقالت الرواحنة “أنا أؤيد وجود كوتا للأحزاب في مجلس النواب، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، وتخصيص مقاعد في مجلس النواب للأحزاب يدفع باتجاه إنشاء أحزاب وطنية كبرى ترسم سياساتها الحقيقية وفق مسارات وطنية حقيقية وواضحة”، مضيفة في ما يخص كوتا المرأة، وزيادة عددها “أنا أؤيدها جدا، وحتى اللحظة أرى أن عدد السيدات في المجلس الحالي قليل جدا، وأن رفع نسبة الكوتا من شأنه أن يجعل من حضورها أكبر مساحة، كون الحضور بالتنافس ما يزال متواضعا، وبطبيعة الحال فإن الكوتا تمهّد لواقع مميّز للمرأة، يزيد من حضورها الذي سيكون إلى جانب التنافس أيضا من خلال الأحزاب”.