هلا نيوز
“أصعب قرار في حياتي”، هكذا وصف ممرض في مستشفى محاصر في قطاع غزة شعوره بشأن التجربة التي عاشها عندما كان يعتني بخمسة أطفال رضع “مبتسرين”، ولدوا قبل أوانهم، وفقدوا آباءهم.
وفي حديثه لصحيفة “واشنطن بوست”، أكد الممرض، وهو فلسطيني يعمل مع “منظمة أطباء بلا حدود” ومقرها باريس، أن ذلك كان في ذروة العدوان الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، الذي بدأ في أكتوبر الماضي، وكان مستشفى النصر للأطفال منطقة حرب.
وأوضح أنه في اليوم السابق للواقعة، أدت الغارات الجوية إلى قطع إمدادات الأكسجين عن المنشأة في مدينة غزة، حيث حاصرت الدبابات الإسرائيلية مجمع المستشفى، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي يتصل بالأطباء ويرسل إليهم رسائل نصية تحثهم على المغادرة”.
لكن سيارات الإسعاف لم تتمكن من الوصول بأمان إلى مستشفى النصر لنقل الجرحى، ورفض الأطباء مغادرة المنشأة دون مرضاهم، بحسب الممرض.
ويتطرق الممرض في حديثه للصحيفة عن الأطفال، قائلا إن الأطفال الخمسة المبتسرين كانوا معرضين للخطر بشكل خاص، حيث كانوا بحاجة إلى الأكسجين والأدوية التي يتم إعطاؤها لهم على فترات منتظمة. ولم تكن هناك أجهزة تنفس محمولة أو حاضنات لنقلهم. وبدون أجهزة دعم الحياة، كان الممرض يخشى عدم نجاتهم في عملية الإخلاء.
ثم وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي إنذارا، حسبما قال مدير مستشفى النصر، بكر قاعود، لصحيفة “واشنطن بوست”: اخرجوا أو ستتعرضون للقصف. وفي الوقت نفسه، أكد مسؤول إسرائيلي أنه سيتم ترتيب سيارات الإسعاف لنقل المرضى.
ولم يجد الممرض أمامه أي خيار آخر، وقال للصحيفة إنه قيم وضع وحالة الأطفال، ثم قرر اصطحاب طفل واحد معه، وهو الذي اعتقد أنه من المرجح أن يتحمل انقطاعا مؤقتا في إمدادات الأكسجين. وترك على مضض الأربعة الآخرين على أجهزة التنفس الخاصة بهم، واتجه جنوبا مع زوجته وأطفالهما والطفل الوحيد.
وقال الممرض، الذي تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية خصوصيته: “شعرت وكأنني أترك أطفالي ورائي. لو كان لدينا القدرة على أخذهم لفعلنا، لكن لو قطعنا عنهم الأوكسجين لكانوا قد ماتوا”.
وبعد مرور أسبوعين، ذكرت الصحيفة أن الهدنة سمحت لصحافي من غزة، محمد بعلوشة، بالمغامرة والدخول إلى المستشفى، وفي وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، اكتشف أمرا مروعا وهو الجثث المتحللة للأطفال الأربعة والتي كانت تأكلها الديدان حتى اسودت بسبب العفن، كما تعرضت للهجوم من الكلاب الضالة.
وقال بعلوشة للصحيفة: “المشهد رهيب ومروع”.
وذكرت الصحيفة أن هذا الاكتشاف المروع يعتبر بمثابة “تذكير بالخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين خلال الحرب التي شنتها إسرائيل للقضاء على حماس، وهي الحملة التي لم تستثنِ المستشفيات ولا الأطفال، حيث قُتل الآلاف”.
ولطالما اتهمت إسرائيل حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” بإخفاء مراكز القيادة والسيطرة في المستشفيات، وأيدت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، هذا الادعاء. وتنفي حماس والطاقم الطبي في غزة ذلك.
ومع ذلك، أكدت الصحيفة أن القادة الإسرائيليين جعلوا البنية التحتية للرعاية الصحية في المنطقة محورا للحملة العسكرية. وبعد شهر من الحرب، شمل ذلك مستشفى النصر.