عربي دولي /فلسطين – هلا نيوز
“لا نعلم إن كان مصيرنا الموت بصاروخ أو من الجوع، وفي الحالتين نشعر أن النهاية قريبة جدا، إذ تنهال الصواريخ علينا كالمطر ولا نعرف إن كان أطفالنا يبكون رعبا أو جوعا”، بهذه الكلمات بدأ محمد الحديث عن معاناته وأهل غزة في ظل الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على القطاع ردا على الهجوم الدامي الذي شنّته حماس في السابع من أكتوبر.
“نحن محرومون من كل شيء بكل ما للكلمة من معنى، من الشبع والارتواء والكهرباء والإنترنت، من النظافة والنوم بأمان ولو لساعة واحدة في اليوم. ما يزيد عن ثلاثين شخصاً نسكن في منزل لا تتعدى مساحته ستين متراً، نترقب دورنا في سقوط صاروخ علينا والسؤال الذي لا يفارق أذهاننا فيما إن كان سيتم انتشالنا من تحت الأنقاض أم أنها ستكون قبوراً لنا”، يقول محمد.
يسكن الوالد لطفلين مع أسرته وأقاربه في مخيم النصيرات جنوبي مدينة غزة، صغيراه نسيا كما يقول مذاق الحليب، فسعر الكيس منه ارتفع من ستة شيكل أي حوالي الدولارين، إلى خمسة دولارات، وفوق هذا نادرا ما يمكنه العثور عليه، “أما الأولاد والكبار فنسوا طعم اللحوم والدجاج، حيث إن المزارع على حدود غزة، بالتالي لا أحد يجرؤ على قصدها هذا إن توفّر لديه المال، وحتى الغاز لطبخها غير متوفر”.
ويضيف “لم أتفاجأ من خبر اقتحام مواطنين لمستودعات الأونروا، فالجوع قاهر، وبيوتنا فارغة إلا من رحمة الله، فحتى العدس والأرز باتا حلماً صعب المنال، ومن يصدق أننا لا نأكل سوى الزعتر، وإن توفّر الخيار والبندورة”.
يتوجب على الشاب الثلاثيني الانتظار لما يزيد عن ست ساعات للحصول على ربطة خبز لا تكفي لتناول فطور سكان منزله، وخلال الانتظار في الطابور تقع العديد من الإشكالات بين الزبائن، ما يزيد الطين بلّة، بحسب وصفه.
وذكرت الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في بيان، الأحد، أن “آلاف الأشخاص قاموا باقتحام العديد من مستودعاتها ومراكز التوزيع في المناطق الوسطى والجنوبية من قطاع غزة، وأخذوا دقيق القمح وغيره من مواد العيش الأساسية مثل مستلزمات النظافة. أحد المستودعات في دير البلح هو المكان الذي تخزن فيه الأونروا الإمدادات من القوافل الإنسانية القادمة من مصر”.
بدء مرحلة الانهيار الكبير
“نحن جياع”، عبارة ترددت على آذان المستشار الإعلامي للأونروا في غزة، عدنان أبو حسنة، خلال زيارته مراكز إيواء في اليومين الماضيين. ويقول “ثمانون في المئة من سكان غزة تحت خط الفقر، يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ومعظمهم عمّال مياومين، وما اقتحام المستودعات إلا دليل على أننا بدأنا في مرحلة الانهيار الكبير، فالناس لا يجدون ما يأكلونه ويشربونه”.
عملية اقتحام مواطنين لمستودعات القمح كما يقول أبو حسنة، حصلت “في اليوم الذي قطعت فيه الاتصالات عن غزة، حيث شعر الناس أنهم متروكون وحيدون لمصيرهم في هذا العالم، من دون أن يبرر ذلك ما قاموا به، مع العلم أن المستودع الرئيسي للأونروا وهو أكبر مستودعاتها في الشرق الأوسط يقع في رفح، لم يقترب منه أحد”.
فقد سكان غزة كل شيء، وبحسب أبو حسنة “منهم من كانوا من كبار أصحاب رؤوس الأموال، وجدوا أنفسهم فجأة قد خسروا ما يملكونه وأصبحوا نازحين في مدارس الأونروا التي تضم الآن 630 ألف نازحاً”.
وبعد اقتحام المستودعات، قال مدير شؤون الأونروا في قطاع غزة، توماس وايت، “هذه علامة مقلقة على أن النظام المدني بدأ ينهار بعد ثلاثة أسابيع من الحرب والحصار المحكم على غزة. الناس خائفون ومحبطون ويائسون. وتتفاقم التوترات والخوف بسبب انقطاع خطوط الهواتف والاتصالات عبر الإنترنت. إنهم يشعرون بأنهم بمفردهم، معزولون عن عائلاتهم داخل غزة وبقية العالم”.
الإمدادات في الأسواق تنفد، في حين أن المساعدات الإنسانية القادمة إلى قطاع غزة على متن شاحنات من مصر غير كافية، بحسب وايت معتبراً أن “النظام الحالي للقوافل متجه نحو الفشل. إن قلة الشاحنات، والعمليات البطيئة، وعمليات التفتيش الصارمة، والإمدادات التي لا تتناسب مع متطلبات الأونروا ومنظمات الإغاثة الأخرى، والأكثر من ذلك الحظر المستمر على الوقود، كلها وصفة لنظام فاشل. إننا ندعو إلى خط تدفق منتظم وثابت للإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة للاستجابة للاحتياجات خاصة مع تزايد التوترات والإحباطات”.
والأحد، دخلت 33 شاحنة محملة بمساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح الحدودي مع مصر حسبما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وقال مكتب أوتشا، إن 117 شاحنة مساعدات تمكنت من دخول غزة منذ 21 أكتوبر، معظمها (70 شاحنة) تحوي معدات طبية، واحتوت 60 شاحنة على أغذية ومنتجات غذائية، و13 شاحنة أخرى على مياه ومعدات صحية.
والاثنين، ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنه تسلم 26 شاحنة من الهلال الأحمر المصري، تحتوي على مواد غذائية ومستلزمات طبية، وأن عدد الشاحنات المستلمة وصل إلى 144 شاحنة، فيما لم يتم السماح بإدخال الوقود حتى اللحظة.
وقبل وصولها إلى رفح تُفتَّش الشاحنات عند معبر نيتسانا بين إسرائيل ومصر على بعد نحو 40 كلم من رفح حسب أوتشا. ويحتاج القطاع بحسب الأمم المتحدة، إلى 100 شاحنة يومياً على الأقل لتوفير الأساسيات لسكان غزة.
بطون خاوية
“أعادونا إلى العصر الحجري، إلى الحطب وفرن الطين، فالغاز أصبح ترفاً، إذ لشراء قارورتين قطعت، الاثنين، مسافة 25 كلم بعربة يجرها حصان لعدم توفّر الوقود لعمل سيارات الأجرة، ودفعت ثمنهما 150 شيكل، أي ما حوالي 38 دولار” بحسب ما يقوله المصوّر الصحفي، سعيد السبع، ويشرح “ليس كل سكان غزة يمكنهم التأقلم على استخدام مواد بدائية للطبخ في وقت لا تتوفر فيه حتى المواد الأولية، بالتالي يجدون أنفسهم أمام خيار وحيد وهو الاكتفاء بساندويش جبن إذا أمكن ذلك”.
أحيانا كثيرة ينام أطفال سعيد السبع الثلاثة ببطون خاوية، وذلك إذا لم يتمكّن من شراء الخبر.
يقول لموقع “الحرة” “الانتظار أمام المخبز يطول لساعات، فعدد المخابز قليل كون منها من تعرّض للقصف، كما أنه ليس سهلاً العثور على الجبن، فأغلب دكاكين السمانة أبوابها مغلقة”.
ويضيف “حتى الآن نجونا من موت محقق، فقبل أسبوعين انتقلت وعائلتي من حي الرمال شمال غزة إلى دير البلح وسط المدينة، وإذ بالمبنى المقابل لنا يتعرض للقصف عند الساعة الرابعة فجراً، ما أدى إلى تطاير أبواب ونوافذ وستائر المنزل الذي نسكنه وزاد غبار الركام من عتمة المكان، ارتعب أطفالي وأقاربي، سارعنا للابتعاد عن الحي، قطعنا مسافة خمسة كيلومترات، انتظرنا لساعات في العراء حتى هدأ القصف، قبل أن نعود أدراجنا ونلملم آثار الدمار”.
رغم كل شيء، يبقى السكن في منزل أفضل من الخيم، بحسب السبع، ويشرح “يوجد ألفا خيمة في خان يونس ورفح، تضم آلاف النازحين، لم يتم تأمين بطانيات لهم رغم أن فصل الشتاء ليس ببعيد، كما أن المدارس تغص بالنازحين، حيث يحصل كل واحد منهم يومياً على رغيف خبز وقطعة جبن وكمية قليلة من الماء توزعها الأونروا على بعض المراكز، وسط غياب للنظافة ينذر بأمراض وأوبئة لا تحمد عقباها”.
ويشدد “قبل الحرب كان يدخل إلى غزة، يومياً، حوالي 600 شاحنة محمّلة ببضائع ومواد تموينية وإغاثية، وذلك عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، أما الآن فبالكاد تمر بضع شاحنات يومياً ما يعني أنه أضيف حصاراً جديداً على الحصار الذي نعاني منه منذ سنوات، حتى وصلنا إلى حد الاختناق”.
كلام السبع يؤكده أبو حسنة بالقول ” قبل السابع من أكتوبر كان يدخل إلى غزة يومياً ما بين 500 إلى600 شاحنة، ومنذ إعلان الحرب، دخل خلال أسبوع 112 شاحنة محملة بالمساعدات”.
الوضع مأساوي وخطير، يقول السبع “نحن في حاجة لفتح معبر رفح على مدار الساعة لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر كي يتم تأمين ما يحتاجه سكان غزة ومستشفياتها من الطعام والشراب والمستلزمات الطبية والوقود”.
تحذير من مجاعة
“سمحت المفاوضات المكثفة على أعلى المستويات بدخول إمدادات إنسانية محدودة للغاية إلى قطاع غزة، وفي حين أن هذا الإنجاز موضع ترحيب، إلا أن هذه الشاحنات تمثل قطرات ضئيلة وليس سيلاً من المساعدات التي يتطلبها وضع إنساني بهذا الحجم”، بحسب المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني.
الإمدادات الغذائية والطبية كما ذكر لازاريني في مقالة رأي “بمثابة قطرة في محيط احتياجات أكثر من مليوني مدني. ومع ذلك، فقد تم حرمان غزة من الوقود بشكل صارم. ومن دونه، لن تكون هناك استجابة إنسانية، ولن تصل المساعدات إلى المحتاجين، ولا الكهرباء للمستشفيات، ولا ماء، ولا خبز”.
والاثنين حذّر لازاريني من أن الترتيب الراهن لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح “محكوم عليه بالفشل”، مديناً فرض إسرائيل “عقاباً جماعياً” على سكان القطاع في حربها ضد حركة حماس، وقال “لنكن واضحين: العدد القليل لقوافل المساعدة التي سمح لها الدخول عبر رفح لا يقارن بحاجات أكثر من مليوني شخص عالقين في غزة”، مطالباً الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار بشأن “وقف إطلاق نار انساني فوري”.
عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان غزة، قد تشكل كما قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان في مؤتمر صحفي في مصر، الأحد، جريمة بموجب اختصاص المحكمة، في حين قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن شدد في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، على أهمية “تدفق المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكبير لتلبية احتياجات المدنيين في غزة”.
وفيما تعزو مصر تأخر وصول المساعدات إلى ما تصفها بالإجراءات الإسرائيلية “المشددة”، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن المواد الغذائية والمياه والأدوية تصل عبر الحدود المصرية وإنهم يتوقعون زيادة الكميات، وفقا لرويترز.
وقال مسؤول إسرائيلي، الأحد، إن إسرائيل ستسمح بزيادة المساعدات الموجهة إلى قطاع غزة بصورة كبيرة في الأيام المقبلة ودعا المدنيين الفلسطينيين إلى التوجه إلى ما وصفها بمنطقة “إنسانية” بجنوب القطاع.
غزة أمام كارثة كبيرة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، بحسب أبو حسنة، حيث “ستشهد مجاعة وانهيارات كبرى، فكمية الوقود لدى الأونروا تكفي ليومين أو يومين ونصف اليوم، وإذا لم يتم السماح بدخول المحروقات ستتوقف محطات تحلية المياه والمخابز والمستشفيات كوننا المزود الآن لهذه المادة، كما ستتوقف الأونروا عن القيام بمهامها وهنا الطامة الكبرى، فهي الجسم الوحيد الذي بقي متماسكاً حتى اللحظة”.