هلا نيوز – عمان
مع بدء العام الدراسي في الأردن وعدة دول عربية ، يعاني الأهالي من كيفية تعليم الطفل الدراسة بنفسه ، وتقع على عاتق الآباء مسؤولية التوجيه والإشراف لتحقيق ذلك، ولكن قد يكون من الصعب على الآباء معرفة الوقت الذي تجب فيه مساعدة الطفل في الدراسة والوقت الذي لا تنبغي مساعدته فيه، وإذا كانت المبالغة في المساعدة يمكن أن تضرّ الطفل بدلا من أن تنفعه.
تساؤلات عديدة تراود الآباء حول كيفية جعل الطفل مستقلا دراسيا، وفي أي سن يمكن تحقيق ذلك.
في التقرير التالي إجابات اختصاصيين للإفادة بآرائهم وخبراتهم التربوية، كذلك نقلت تجارب آباء في متابعة دراسة أطفالهم، بحسب الجزيرة نت.
** التعليم منذ الطفولة المبكرة
تقول الاستشارية التربوية الدكتورة أمل بورشك “منذ الطفولة المبكرة يكون تعليم الطفل باللعب والاستمتاع بالوقت بوسائل منوعة منها: الفواكه، والألوان، والصلصال، وغيرها من القصص المسموعة المرئية”.
وتضيف أن التعليم في الطفولة المبكرة يكون فطريا ووفقا لكل مرحلة نمائية تقدم المعارف، من اللعب والتقليد والمحاكاة أو اللعب الجماعي “حتى نصل إلى مرحلة رياض الأطفال”.
وتشرح الدكتورة بورشك أنه في مرحلة لاحقة “يجب تشجيع الطفل وتمكينه من متابعة دروسه وفهمها في المراحل الأولى، والحرص على متابعة مقدار الوقت الذي ينهي به الطفل واجباته وسرعة أدائه”.
** تهيئة الطفل
وتضيف الاستشارية بورشك أن على الأبوين تجهيز الابن منذ الطفولة المبكرة لإعداد زاوية خاصة به، لممارسة نشاطاته، وبالتدريج، بداية من سن مبكرة. فقبل 4 سنوات، يبدأ الأهل بتهيئة الطفل للدراسة بتنمية مهارته قدر الإمكان بالفن والرسم وإعداد الأدوات الخاصة به، ومساعدته على امتلاك أدوات الدراسة، وفهم المواد، فكثير من قصص الأطفال توظف المعارف باللعب “حتى نتحقق من قدرته على الدراسة باستقلالية كلما تقدم العمر به”.
وهل من الممكن أن تكون مشاركة الوالدين المفرطة في متابعة الابن ضارة وليست نافعة؟ تجيب بورشك “مع الأسف، يعتقد الأهل أن التصاقهم بأبنائهم مفيد لتعلمهم، متغافلين عن أن الذهن قد يشرد وهم بجواره، والطفل قد يشعر بالضيق وعدم الراحة من وجودهم بالقرب منه”.
وتتابع أن من الأفضل أن يترك الطفل لفترة وحده مع متابعته والتواصل البنّاء معه، فلا يعني القرب أن التعليم مستمر، ولكن على فترات متقطعة، مع التأكد من قدراته على التعلم ومدى رغبته بالتعلم، “فمن الضرر البقاء كظل مرافق لحياة الطفل، فهذا قد ينفره ويجعله يتظاهر بالتعلم”.
وتبيّن بورشك أن من سن 4-9 سنوات تجب مساندة الطفل في المواضيع الدراسية الصعبة، ومن سن 10-15عاما يجب توجيهه وإرشاده للاعتماد على الذات، ومن 15-18عاما “ننتقل إلى الاستقلال التام واستخدام أسلوب البحث العالمي للتخلص من الصعوبات التي تواجهه، مع تقديم الدعم اللازم من المتخصصين حسب كل مادة”.
** تجارب أمهات مع أبنائهن
مع بداية العام الدراسي الجديد، ينشغل بال الثلاثينية سارة بكيفية تحفيز طفلها على الدراسة بمفرده، خاصة أن ابنها في الصف الثامن يرفض الأمر، لأنه اعتاد منذ صغره أن تقوم بتدريسه ومتابعة واجباته.
وتعترف الأم أنها السبب في ذلك، لأنها لم تعوّده أن يتابع دراسته بشكل مستقل، ولذا فهي تقف حائرة في كيفية معالجة الأمر، مبينة أنها تخشى ألّا يحرز درجات جيدة في الامتحانات، ومن ثمّ فهي تبقى معه خطوة بخطوة لتتأكد أنه استعد ودرس جيدا.
وعلى العكس تماما، تمكنت أم وليد (لديها 3 أبناء) من تعويد أبنائها منذ الصغر الاعتماد على النفس بالدراسة، والعودة إليها عند الحاجة فقط، مثل تسميع الدروس أو حل مسألة ما، مؤكدة أنها سعيدة جدا بما وصلت إليه، خصوصا أن ثقة أبنائها بأنفسهم عالية وتزداد يوما بعد آخر.
** تضر أكثر أم تنفع؟
ويعتقد العديد من الآباء أنهم كلما ساعدوا أطفالهم، فسيكون أداؤهم أفضل في المدرسة وكذلك في الحياة الاجتماعية، حتى إنهم يحاولون جاهدين مساعدة أطفالهم في الدراسة بإكمال الواجبات المنزلية حتى يحافظوا على المستوى الأعلى في الفصل، وفق ما نشر موقع “إنديابارنتيغ” (indiaparenting).
وتعد مشاركة الوالدين في دراسة الأطفال مهمة جدا، لكن بحثا جديدا يظهر أن مشاركة الآباء المفرطة في دراسة أطفالهم يمكن أن تضر أكثر مما تنفع.
هذه التصرفات من قبل الأهل، في الواقع، تجعل الأطفال أكثر قلقا وليس لها أي آثار إيجابية على الطفل. والأصل أن يشارك الوالدين في احتياجات الطفل الدراسية، والبقاء داعمين للعملية التعليمية الخاصة به وهو أمر مهم، ولكن المشاركة المفرطة قد تكون طريقة خاطئة. وبدلًا من ذلك، يجب أن تساعد طفلك على أن يصبح متعلمًا مستقلا، وفي الوقت ذاته يجب أن تكون متاحا عند الحاجة إلى مساعدتك.
**الاعتمادية أمر غير سهل
ويعلق الاستشاري الأسري والنفسي الدكتور أحمد سريوي بقوله “من الأخطاء التي يقع فيها الأهل حبا بأبنائهم أن يجعلوهم معتمدين عليهم في الدراسة بالكامل، وهذا الأمر له على المدى البعيد عواقب وخيمة”.
الطفولة المتأخرة من عمر 6 سنوات حتى 11 عامًا هي مرحلة التأسيس لدى جميع الطلبة، وفق الدكتور سريوي، وهي المرحلة التي يُصقل فيها أسلوب الطفل في الدراسة، وبها يتعلم الطفل إما الاعتماد على ذاته أو الاعتماد على الآخرين.
ويتابع “وعليه، فإن على الأهل بذل الجهد الكافي في التوجيه والإشراف على العملية التدريسية في المنزل من دون الاعتماد الكامل عليهم في كل شيء يخص الدراسة”.
ومن النصائح المهمة لهذه المرحلة، وفق الاستشاري، “دع ابنك يحاول قراءة الكلمة مرارا وتكرارا قبل إعطائه القراءة الصحيحة بسهولة، ودعه يحاول جمع الأرقام أو طرحها وحده حسب ما تعلم في المدرسة، ثم صحح له، وأيضا دعه يحفز ذاكرته بالآيات القرآنية وحده، وإن أخطأ رده ردًّا جميلا لأن التلقين يضعف الذاكرة”.
ويشير إلى أن اعتماد الطفل على ذاته في دراسته وبذل الجهد الشخصي في الدارسة له آثار إيجابية مباشرة على تحصيله الدراسي، “ذلك أن التقييم الفعلي للطالب هو الامتحان المدرسي الذي لن يكون فيه سوى الطالب وورقة الامتحان من دون أي وجود للأهل أو المساعدة، وحينئذ يتميز الطالب المعتمد على ذاته مقارنة بمن يحظى بالتلقين والاعتماد المباشر على أهله”.
ويكمل “ولهذا الاعتماد نواح خطيرة في المراحل الدراسية المتقدمة، بخاصة في الثانوية العامة التي لا يجوز للطالب فيها أن يعتمد على أحد سوى نفسه، ولكن إن تربى على الاعتمادية فإن التخلص منها أمر غير سهل ويحتاج إلى بذل جهد وطاقة كبيرين”.
** نصائح تربوية
وفي ما يأتي بعض الاستراتيجيات لكيفية دراسة الطفل بشكل مستقل:
آمن بطفلك، دعه يعرف أنك تؤمن بقدراته، واسمح له بالعمل من خلال تحدياته بدلا من فعل الأشياء له، فقط احتفظ بالمراقبة وستعلم متى يحتاج حقا إلى المساعدة.
اسأله عما يحتاج إليه، ولا تتحدث عن طفلك وتعليمه عندما لا يكون في المكان، اسأله مباشرة عن احتياجاته ودعه يطلب المساعدة منك؛ حينئذ ستكون لديه فكرة واضحة عما يفعله ويحدد متطلباته أيضا.
شجع جهود طفلك وتقدمه، فعندما تكافئ نتائج طفلك فإنك تركز على النتيجة فقط، فلا يزال التغاضي عن الجهد والتحسين في هذه العملية سائدا، وهذا ينقل رسالة خاطئة مفادها أنه يجب على الأطفال القيام بكل ما يلزم للحصول على درجات جيدة.
امدح طفلك على الجهد الذي يبذله والعمل الذي استغرقه للحصول على درجات جيدة، فعندما نثني على العمل والجهد، يشعر الأطفال بالتعزيز ويفعلون ذلك مرارا وتكرارا.
اخلق فرص الاستقلال، اسمح لأطفالك بأخذ الأساسيات منذ سن مبكرة. يمكنك البدء بأشياء صغيرة مثل السماح لهم باختيار ملابسهم وترتيب أسرّتهم وما إلى ذلك، فهذا يساعد الأطفال على الشعور بأنهم فعالون بطريقة ما ويشجعهم على القيام بالأشياء بشكل مستقل، فأنت تعطيهم مسؤولياتهم وتتراجع، وستكون لديهم المهارات والثقة بأنفسهم، وسيساعدهم ذلك على المضي قدمًا بشكل مستقل.
توفير مساحة التعلم، يحتاج الأطفال أيضا إلى مساحة للقيام بعملهم. ينشئ بعض الأطفال مساحة خاصة بهم ويحتاج بعض الأطفال أيضا إلى مساعدة والديهم. على الأقل في البداية، بمجرد الانتهاء من ذلك، سيبقى تركيزهم على التعلم، ولن يستمروا في سؤالك عما يحتاجون إليه.
الابتعاد عن الطريق، إذ يمكن أن يكون التراجع أمرا صعبا حقا للآباء، فقط ضع في اعتبارك أن ما يحتاج إليه الآباء في النهاية هو أن ينجح طفلهم. حتى إذا كنت ترغب في مساعدتهم، فإن أفضل طريقة لمساعدتهم على النجاح في بعض الأحيان هي السماح لهم بالعمل المستقل؛ دعهم يكتشفون الأشياء بأنفسهم، سيساعدهم هذا ويحسّن أداءهم وجهدهم العام.