يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول، بضراوة وعنف شديدين، حوّلا القطاع المحاصر إلى “حفرة جحيم” بعد ارتكاب سلسلة جرائم حرب، وانتهاكات للقانون الدولي والإنساني.
وشملت الانتهاكات ضرب البنية التحتية للقطاع، وتشديد الحصار ومنع إدخال الأغذية والماء والأدوية والمستلزمات الطبية والحيوية، ومنع إدخال الوقود الذي أدى إلى انقطاع الكهرباء وتوقف محطات لتحلية المياه.
وشكل الثلاثاء يوما فارقا في العدوان المتواصل، بعد قصف المستشفى الأهلي المعروف بــ”المعمداني” في القطاع، مما خلف 500 شهيد على الأقل.
وشنت كتائب القسام وهي الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في 7 تشرين الأول/ أكتوبر عملية “طوفان الأقصى” تجاوزت حدود الغلاف وتضمنت هجوما بريا وبحريا وجوبا وصاروخيا.
“أدلة دامغة على جرائم الحرب”
وتحدثت منظمة العفو الدولية، عن “أدلة دامغة على جرائم الحرب”، وقالت إن الهجمات الإسرائيلية تقضي على عائلات بأكملها في غزة، وأشارت إلى توثيق الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، التي تسببت بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وطالبت بالتحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب.
وقال نائب مدير مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة سمير زقوت إن غزة تواجه سلسلة غير مسبوقة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة للجنس البشري.
يقول زقوت إن السلوك العسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلي يظهر كم هي دولة جبانة وليس لديها شرف العسكرية، لأنها تقاتل في غزة وتحرق المدنيين وتدمر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وكل هذه جرائم حرب.
ووصل عدد الشهداء في قطاع غزة إثر العدوان الإسرائيلي إلى 4137 على الأقل.
وأشار زقوت إلى أن قواعد القانون الدولي تقول إنه يجب التمييز بين الأهداف ويحظر بشكل تام استهداف المدنيين أو الممتلكات والأعيان المدنية، أيا كانت الأسباب.
وأوضح زقوت أن كل استهداف منظم يشكل جريمة حرب، وإسرائيل تقوم بهذا بشكل مباشر، وأعلنت ذلك، ولفت إلى أن إسرائيل نزعت عن سكان قطاع غزة صفة الإنسانية وقالت “هؤلاء حيوانات بشرية” وأعطت نفسها الحق في قتلهم وتدمير ممتلكاتهم ومنازلهم على رؤوسهم، وهذه واحدة من أهم قواعد القانون الدولي.
وتحظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في الحرب المؤرخة في 12آب/ أغسطس 1949 ” الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب” ضد الأشخاص “الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية”.
مساعدات موقوفة وحصار
رئيس جمعية المحامين في القانون الدولي في باريس مجيد بودن أكد لـ”المملكة” أن من أكبر الانتهاكات التي تسجل الآن في قطاع غزة هي أن الحصار نفسه هو انتهاك للقانون الدولي، وخاصة منع الإمدادات الحيوية من قطع للماء والكهرباء والهاتف والإنترنت، ويعد ذلك انتهاكا للقانون الدولي.
ولا تزال أطنان المساعدات الطبية والغذائية تنتظر الموافقة الإسرائيلية لتزويد قطاع غزة بها، بعد أن بات القطاع الصحي فيه يلفظ أنفاسه الأخيرة وفقا للناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة.
أما المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فيليب لازاريني، فقال إن غزة “تتحول بسرعة إلى حفرة جحيم وهي على حافة الانهيار”، وأن حجم وسرعة الأزمة الإنسانية التي تتكشف، “أمر تقشعر له الأبدان”.
وأكد بودن عبر “المملكة” أن ضرب البنية التحتية يعد انتهاكا للقانون الدولي، وقانون الحرب، وكذلك عدم تمكين الناس من الذهاب إلى المستشفيات، ومنع وصول الأدوية إلى المستشفيات، هو خرق أيضا للقانون الدولي.
ويرى زقوت أن قطع الإمدادات الإنسانية عن قطاع غزة، يشكل جريمة ضد الإنسانية لأنه يحكم بالموت الجماعي على السكان، فعندما يقرر جيش الاحتلال الإسرائيلي قطع المياه والكهرباء ومنع أي إمداد للغوث سواء أدوية أو مستلزمات طبية أو أغذية، مما يعني جريمة إبادة للجنس البشري، وجريمة ضد الإنسانية.
تنص المــادة 23 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، إن “على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر المدنيين، حتى لو كان خصما، وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس”.
وقالت منظمة العفو الدولية إن القصف المستمر جلب على غزة معاناة لا يمكن تصورها للأشخاص الذين يواجهون بالفعل أزمة إنسانية حادة.
وبعد 16 عاما من الحصار الإسرائيلي غير القانوني، أصبح نظام الرعاية الصحية في غزة على وشك الانهيار، واقتصادها في حالة يرثى لها، فالمستشفيات تنهار، وهي غير قادرة على التعامل مع العدد الهائل من الجرحى، وتفتقر بشدة إلى الأدوية والمعدات المنقذة للحياة، بحسب المنظمة.
تهديد بالقصف
وأرسلت إسرائيل تهديدات عدة لمستشفيات في قطاع غزة لإخلائها تمهيدا لقصفها، إلا أن كوادر تلك المستشفيات أصرت على بقائها على رأس عملها، لتنفذ أحد التهديدات وتقصف المستشفى الأهلي “المعمداني” مما تسبب باستشهاد قرابة 500 شخص.
وتتضمن اتفاقيات جنيف أحكاما عدة تحظر الهجمات على المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية مثل المساجد أو المعابد اليهودية.
لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات اتفاقية جنيف الرابعة
خروقات وأسلحة محرمة دوليا
منظمة هيومن رايتس ووتش، حذرت من الوضع الحرج في قطاع غزة عقب العدوان الإسرائيلي، وقالت إن صواريخ تعادل ربع قنبلة ذرية سقطت على غزة.
وتحققت المنظمة من فيديوهات التقطت في لبنان وغزة في 10 و11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على التوالي، تظهر انفجارات جوية متعددة للفوسفور الأبيض المدفعي فوق ميناء مدينة غزة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.
وقالت المنظمة إن استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان في غزة ينتهك واجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إصابة المدنيين والخسائر في الأرواح، المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي.
وشدّد بودن أنه لا يمكن لإسرائيل أن ترد إلا ضد حماس فقط، ولا يمكن أن ترد ضد المدنيين، وردة الفعل ضد المدنيين هي ممنوعة منعا باتا في القانون الدولي، ويجب عدم الخلط بين حماس والشعب الفلسطيني في غزة، وعندئذ، لا يمكن أن يقع استعمال المواطنين والأهالي في غزة لضربهم أو الانتقام منهم، أو خرق حقوقهم الأساسية، لأن في ذلك خرقا للقانون الدولي.
“وعلى إسرائيل، أن تستعمل القوة في المواجهة بينها وبين حماس وأن تكون أولا متناسبة، وهذا هو مبدأ من مبادئ القانون الدولي يجب احترامه، وكذلك لا يمكن أن يشمل المدنيين”، وفقا لـ”بودن”.
“نكبة ثانية”
وحاولت إسرائيل دفع سكان مدينة غزة إلى إخلاء المناطق الشمالية والنزوح إلى المناطق الجنوبية في قرار أكدت الأمم المتحدة أنه يطال 1.1 مليون شخص وحذرت من تبعاته “المدمّرة”.
اعتبر بودن وفقا للقانون الدولي أن الترحيل الجماعي للناس وإبعادهم عن مساكنهم يعد انتهاكا للقانون، ومهما كان الترحيل للناس، حتى في البلاد نفسها فيعتبر أنه إذا رحل الشخص من منزله ورحلت أعداد كبيرة من منازلهم، فهذا انتهاك للقانون الدولي ولقانون الحرب.
يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيهاتفاقية جنيف الرابعة
وقال بودن إن محاولة تهجير السكان من أراضيهم إلى بلاد أخرى يعد أيضا انتهاكا للقانون الدولي، وتابع بودن “يجب أن يقع تبادل الأسرى المدنيين بدون قيد أو شرط، ولكن موضوع تبادل الأسرى العسكريين هو موضوع تفاوض بوساطات دولية”.
لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلهااتفاقية جنيف الرابعة