يعتمد عمال الإغاثة الذين يدعمون المتأثرين بالصراعات على مجموعة من القوانين لحماية المدنيين، ولكن بعض الأطراف المتحاربة تنتهك هذه الاتفاقيات الدولية، من خلال استهداف المستشفيات والمدارس ومنع عمال الإغاثة من الوصول إلى المدنيين بالسلع والخدمات المنقذة للحياة وغيرها من جرائم الحرب.
ولكن ما هي قواعد الحرب بالضبط وماذا يحدث عندما يتم انتهاكها؟
إريك مونغيلارد من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، قال إن هذه القوانين تمثل “الحد الأدنى من القواعد للحفاظ على الإنسانية في بعض أسوأ المواقف التي عرفتها البشرية”، مشيرا إلى أن قواعد الحرب تنطبق في اللحظة التي يبدأ فيها النزاع المسلح.
وتستند القوانين المعمول بها اليوم في المقام الأول إلى اتفاقيات جنيف، التي جرى التصديق على أولها قبل إنشاء الأمم المتحدة بنحو مئتي عام.
– ما هي اتفاقيات جنيف؟ –
في أعقاب إعلان سويسرا الحياد الدولي “الدائم” عام 1815، دفعت الحرب النمساوية الفرنسية المجاورة عام 1859 هنري دونان، وهو مواطن سويسري كان يداوى الضحايا في ساحة المعركة، إلى اقتراح إنشاء ما يسمى بـ “اللجنة الدولية لمساعدة الجرحى”.
وتحولت تلك المجموعة بعد ذلك بوقت قصير إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تبعتها اتفاقية جنيف الأولى بتوقيع 16 دولة أوروبية عام 1864. ومنذ ذلك الحين، اعتمد عدد متزايد من الدول اتفاقيات جنيف الأخرى التي تلت وبروتوكولاتها الإضافية.
وأصبحت حتى الآن أكثر من 180 دولة أطرافا في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وهناك نحو 150 دولة طرفا في البروتوكول الأول الذي يوفر الحماية للأشخاص المشاركين في حروب لـ “تقرير المصير”.
وفي الوقت نفسه، هناك أكثر من 145 دولة طرفا في البروتوكول الثاني الذي وسع نطاق الحماية ليشمل الأشخاص الذين يواجهون حروبا أهلية قاسية، والتي لم تشملها اتفاقيات 1949.
وتطورت قواعد الحرب والبروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف لتتماشى مع تطور الأسلحة والخطط العسكرية، والتي أصبحت أكثر فتكا.
كما ظهرت معاهدات دولية أخرى لحظر مجموعة من الأسلحة ظهرت على ساحات القتال في القرن العشرين، بما في ذلك استخدام غاز الخردل في خنادق الحرب العالمية الأولى، وإسقاط النابالم عبر الجو في حرب فيتنام.
وتلزم هذه الاتفاقيات أيضا الموقعين عليها باحترام القانون الدولي الإنساني.
– من هم الأشخاص المحميون؟ –
المستشفيات والمدارس والمدنيين وعمال الإغاثة والطرق الآمنة لتقديم المساعدة الطارئة، من بين الأشخاص والأماكن التي يحميها القانون الإنساني الدولي.
وقال مونغيلارد إن بروتوكولا إضافيا لاتفاقيات جنيف جرى اعتماده عام 1977 يحتوي على “معظم القواعد” المتعلقة بحماية المدنيين.
وبشكل عام، تنقسم المبادئ الأساسية إلى مجموعتين من القواعد؛ تركز الأولى على احترام كرامة الإنسان وحياته والمعاملة الإنسانية. ويشمل ذلك حظر عمليات الإعدام بإجراءات موجزة (بدون اتباع الإجراءات الواجبة) والتعذيب.
وأضاف أن المجموعة الثانية تشمل التمييز والتناسب وأخذ الاحتياطات، وهي ملزمة لكل الأطراف المتحاربة.
ووفق ذلك لا يجوز للأطراف استهداف المدنيين، وعليها التأكد من أن العمليات والأسلحة التي تختار استخدامها ستقلل أو تتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، كما يجب عليها توفير تحذير كافٍ للسكان المدنيين بشأن هجوم وشيك.
وقال: “دائما ما يكون تقييم فعالية قانون ما أمرا صعبا. ولكن الأدلة المتناقلة تُظهر أن القانون الدولي الإنساني يُحترم في أغلب الأحيان”.
وحتى مع وجود هذه القوانين، لقي 116 عامل إغاثة مصرعهم أثناء قيامهم بعملهم في بعض أخطر الأماكن في العالم عام 2022.
منذ بداية العام الحالي، قُتل 62 من عمال الإغاثة، وجُرح 84 واختطف 34 آخرون، وفقا للأمم المتحدة التي استشهدت ببيانات مبدئية في آب من منظمة الأبحاث المستقلة المعروفة باسم”النتائج الإنسانية”.
منذ 7 تشرين الأول، اُستشهد ما لا يقل عن 15 من موظفي الأمم المتحدة في قطاع غزة المحاصر الذي يشن الاحتلال الإسرائيلي عليه غارات متواصلة، بالإضافة إلى تقارير تفيد بمقتل العديد من المستجيبين الأوائل الآخرين.
ومع ذلك، قال مونغيلارد إنه بدون القانون الإنساني الدولي والقواعد ذات الصلة، فإن الوضع في ساحات القتال في جميع أنحاء العالم “سيكون أسوأ بكثير”.
وأضاف: “عندما تواجه أطراف النزاع ادعاءات بشن ضربات ضد المدنيين أو البنية التحتية المدنية، على سبيل المثال، فإنها تسعى دائما إما إلى الإنكار أو إلى التفسير، مما يعزز حقيقة إدراكها لأهمية هذه القواعد”.
– إنهاء الإفلات من العقاب –
وقال مونغيلارد إن “الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي تعتبر جرائم حرب”. وعلى هذا النحو، فإن جميع الدول ملزمة بتجريم تلك السلوكيات والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها.
إلا أنه يمكن أيضا انتهاك القانون الإنساني الدولي خارج نطاق الحرب. فيما لم يتم الاتفاق بشكل قاطع على ما يسمى بـ “الجرائم ضد الإنسانية” في معاهدة مخصصة للقانون الدولي، على الرغم من أن نظام روما الأساسي يوفر أحدث إجماع للمجتمع الدولي حول ما يقع ضمن نطاق هذه الجرائم – كما أنها المعاهدة التي تقدم القائمة الأكثر شمولا من الأفعال المحددة التي يمكن أن تشكل تلك الجرائم.
ولمحاسبة الفاعلين على انتهاكاتهم، يتم إنشاء آليات دولية، بما في ذلك المحاكم بشأن كمبوديا ورواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو من خلال الجهود الوطنية، كما حدث عام 2020 في جمهورية الكونغو الديمقراطية عندما قدمت محكمة عسكرية مجرم حرب إلى العدالة.
وجرى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي، وهي تتمتع بسلطة قضائية على مزاعم انتهاكات القانون الإنساني الدولي.
– محكمة عالمية –
المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة جنائية عالمية دائمة تم إنشاؤها للمساعدة في إنهاء إفلات مرتكبي الجرائم الأكثر خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي من العقاب. وهي منظمة دولية مستقلة، وليست جزءا من منظومة الأمم المتحدة.
لكن الأمم المتحدة لديها صلة مباشرة بهذه المحكمة. فيمكن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يفتح القضايا أو التحقيقات المحالة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، أو بناءً على معلومات من مصادر موثوقة.
وفي حين لا تعترف جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المحكمة يمكنها إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالادعاءات من أي مكان في العالم. وقد جرى الاستماع إلى قضايا، وصدرت قرارات بشأن مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك قضايا تتعلق باستخدام الاغتصاب كسلاح حرب وتجنيد الأطفال.
وتحقق المحكمة حاليا في 17 قضية حول العالم، ويتضمن عملها إصدار أوامر اعتقال بحق الجناة المشتبه بهم. وقد أصدرت مؤخرا مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها علاقة بحرب بلاده على أوكرانيا.
– يمكن للجميع المساهمة –
وقال مونغيلارد إنه في حين أن القانون الإنساني الدولي يحكم سلوك الأطراف المتحاربة في النزاع، إلا أن هناك دورا مهما يمكن لعامة الناس القيام به لمنع انتهاكه.
وحذر من أن تجريد مجموعة من الأشخاص من إنسانيتهم يمكن أن يبعث إلى القوات المسلحة الموجودة رسالة مفادها أن “بعض الانتهاكات ستكون مقبولة”.
وقال: “من المهم تجنب تجريد الطرف الآخر من إنسانيته أو تجريد العدو من إنسانيته، وتجنب خطاب الكراهية، وتجنب التحريض على العنف. هذا ما يمكن أن يفعله عامة الناس للمساهمة في منع الانتهاكات”.
أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مستمرا، وقامت بتشغيل رابط لتقديم تقارير عن مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان، التي جميعها تعتبر انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
كما صدر عن منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، تذكير بالتزامات الأطراف المتحاربة في سياق الأزمة بين الاحتلال الإسرائيلي وقطاع غزة المحاصر عندما قال أمام مجلس الأمن الدولي إن هناك “قواعد بسيطة للحرب”، وشدد على أنه “يجب على أطراف النزاع المسلح حماية المدنيين”.
وفي السياق نفسه، تحدث المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أحمد المنظري، عقب القصف الإسرائيلي الذي تعرض له المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.
وأكد أن “الرعاية الصحية ليست هدفا، ولا ينبغي أن تكون هدفا”، وجدد دعوة المنظمة لجميع الأطراف المتنازعة إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، بما في ذلك “المتخصصون في مجال الرعاية الصحية الموجودون في الميدان وسيارات الإسعاف”.