مقالات واراء – هلا نيوز
الصحافي جدعون ليفي الجريء يواجه الإسرائيلين بالحقائق:
منذ عام ١٩٤٨ وإسرائيل تعاقِب غزة … أمس رأت إسرائيل صورًا لم تتوقعها في حياتها، بسبب غطرستها.
[صحيفة هآرتس – ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣ م]
وراء كل ما حصل، الغطرسة الإسرائيلية … فكرنا أنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمنًا ولن نعاقَبَ على ذلك أبدًا. نواصل دون تشويش. نعتقل، نقتل، نسيء المعاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، نزور قبرَ يوسف، وقبرَ عثنيئيل، ومذبح يشوع، وكلها في الأراضي الفلسطينية. وبالطبع نزور جبل الهيكل – أكثر من خمسة آلاف يهودي في العرش. نطلق النار على الأبرياء، نقتلع عيونهم ونهشّم وجوههم، نرحّلهم، نصادر أراضيهم وننهبهم، ونخطفهم من أسرَّتِهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضًا نواصل الحصار غير المعقول على غزة، وكل شيء سيكون على ما يرام.
نبني حاجزًا هائلًا حول القطاع، كلفت بنيتُه تحت الأرض ثلاثةَ مليارات شيكل، ونكون آمنين. نعتمد على عباقرة الوحدة ٨٢٠٠ (Unit 8200) وعملاء الشاباك الذين يعرفون كل شيء، وسيحذِّروننا في الوقت المناسب. ننقل نصف الجيش من غلاف غزة إلى غلاف حوارة فقط لتأمين احتفالات المستوطنين بالعرش، وسيكون كل شيء على ما يرام، سواء في حوارة أم في إيريز. ثم يتضح أنه يمكن لجرافة بدائية وقديمة اختراق حتى أكثر العوائق تعقيدًا والأعلى تكلفة في العالم بسهولة نسبيًّا، عندما يكون هناك حافز كبير للقيام بذلك. انظروا: يمكن عبور هذا العائق المتغطرس بالدراجات الهوائية والنارية، على الرغم من كل المليارات التي أُنفقت عليه، ورغم كل الخبراء المشهورين والمقاولين الذين كسبوا المال الكثير.
اعتقدنا أنه يمكن أن نواصل التحكم الدكتاتوري بغزة، ونرمي عليها هنا وهناك من فتات المعروفية المتمثل ببضعة آلاف من تصاريح العمل في إسرائيل – وهذه قطرة في محيط، وهي أيضًا مشروطة دائمًا بالسلوك السليم – ونقابل ذلك بأننا نُبقيها سجنًا لهم. نصنع السلامَ مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وتنسى قلوبُنا الفلسطينيين، حتى يتمَّ محوُهم، كما كان يرغبُ عددٌ غيرُ قليل من الإسرائيليين.
نواصل احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومن بينهم أسرى بدون محاكمة، وأغلبُهم سجناءُ سياسيون، ولا نوافق على مناقشة إطلاق سراحهم حتى بعد عقود في السجن. ونقول لهم إنه فقط بالقوة يمكن لأسراهم أن يحصلوا على الحرية. لقد ظنَنَّا أن نواصل بغطرسة صدَّ أي محاولة للحل السياسي، لمجرد أنه لا يناسبنا الانشغال فيه، ومن المؤكد أن كل شيء سيستمر على هذا النحو إلى الأبد.
ومرة أخرى ثبت أن الأمر ليس كذلك. اخترق عدةُ مئات من المسلحين الفلسطينيين السياجَ ة، وغزَوا إسرائيل بطريقة لم يتخيلها أي إسرائيلي. لقد أثبت بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين أنه من المستحيل سجنُ مليوني إنسان إلى الأبد، دون دفع ثمن باهظ. وكما هدمت الجرافة الفلسطينية القديمة المدخّنة في الأمس الجدار، وهو الأكثر تطورًا بين كل الجدران والأسوار، الا أنها مزقت أيضًا عباءةَ الغطرسة واللامبالاة الإسرائيلية. كما أنها مزقت فكرة أنه يكفي مهاجمة غزة بين المرة والأخرى بالطائرات الانتحارية بدون طيار، وبيع هذه الطائرات لنصف العالم، من أجل الحفاظ على الأمن.
في الأمس، رأت إسرائيل صورًا لم ترها في حياتها: سيارات عسكرية فلسطينية تقوم بدوريات في مدنها، وراكبو دراجات هوائية من غزة يدخلون بواباتها. هذه الصور يجب أن تمزق عباءة الغطرسة.
قرر الفلسطينيون في غزة أنهم على استعداد لدفع أي شيء مقابل الحصول على لمحة من الحرية. هل هناك رجاء من ذلك؟ لا. هل ستتعلم إسرائيل الدرس؟ لا.
في الأمس كانوا يتحدثون بالفعل عن محو أحياءٍ بأكملها في غزة، وعن احتلال قطاع غزة ومعاقبة غزة “كما لم تتم معاقبتها من قبل”. لكن إسرائيل تعاقب غزة منذ عام ١٩٤٨، دون توقف للحظة واحدة. خمسة وسبعون عامًا من التنكيل، والأسوأ ينتظرها الآن. إن التهديدات بـ “تسطيح غزة” تثبت أمرًا واحدًا فقط: أننا لم نتعلم شيئًا. إن الغطرسة موجودة لتبقى، حتى بعد أن دفعت إسرائيل مرة أخرى ثمنًا باهظًا.
يتحمل بنيامين نتنياهو مسؤوليةً ثقيلة جدًّا عما حدث، وعليه أن يدفع الثمن، لكن الأمر لم يبدأ معه ولن ينتهي بعد رحيله. وعلينا الآن أن نبكي بمرارة على الضحايا الإسرائيليين؛ ولكن علينا أيضًا أن نبكي على غزة. وغزة، التي معظم سكانها لاجئون خلقتهم أيدي إسرائيل؛ غزة التي لم تعرف يومًا واحدًا من الحرية.