قبل انتصاف ليل 8 سبتمبر/ أيلول الحالي بدقائق، تلقت الأراضي المغربية ضربة زلزالية بقوة 6.8 على المقياس كان مركزها جهة مراكش آسفي غربي البلاد، على بعد حوالي 75 كم جنوب غرب مراكش، بالقرب من بلدة إغيل في جبال الأطلس، تم الإبلاغ عن أكثر من 1000 حالة وفاة حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، كما شعر بالزلزال سكان الجزائر وإسبانيا والبرتغال. لكن حكاية المغرب مع الزلازل ليست وليدة اللحظة أو بعيدة عن التوقعات، فمثلها مثل بعض دول العالم، كانت دائمًا في منطقة معرضة للخطر الزلزالي.
في الثاني عشر من مايو/أيار عام 1960، كان السيد ماتياس يتجهز للنزول من عمله في إحدى المصالح الحكومية في الجانب الشرقي لمدينة فالديفيا التشيلية، حينما بدأت الأرض تهتز بشدة. عرف صديقنا على الفور أنه زلزال، وتمكَّن سريعا من الهرب إلى الشارع حيث كان مكتبه في الدور الأول.
خلال الثواني الأولى ظنَّ، مثل مئات الآلاف من البشر الساكنين في هذه المنطقة، أنها هزة صغيرة معتادة لن تلبث أن تهدأ سريعا، لكن ذلك لم يحدث، فجأة ارتفعت وتيرة الاهتزاز، حتى إن الناس في الشارع وماتياس معهم لم يتمكنوا من التقدم للأمام عدوا إلا خطوات معدودات ثم وقعوا فوق بعضهم من شدة الاهتزاز وحركة الأرض، وفجأة بدأت المنازل في التساقط، ثم طالت الهزة التي عادة ما تهدأ بعد ثوانٍ إلى 10 دقائق كاملة، ظن ماتياس ومَن معه خلالها أننا في يوم القيامة.
كان هذا هو زلزال تشيلي العظيم(1)، أقوى زلزال مسجل في تاريخ القياس بقوة نحو 9.5 درجات على مقياس ريختر، يعني ذلك أنه كان أكبر من زلزال تركيا الأخير بأكثر من خمسين ضِعْفا، ولأنه حدث بالقرب من الشاطئ فقد تسبب في موجات تسونامي جرت إلى مسافات شاسعة بعرض المحيط الهادئ كله، فوصل أثر التسونامي إلى هاواي واليابان والفلبين ونيوزيلندا وأستراليا، وسُجِّلت موجات يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار على بُعد 10 آلاف كيلومتر من مركز الزلزال.
لم يكن ما حدث استثناء، في الواقع لقد تعرضت تشيلي منذ ذلك الحين إلى أكثر من خمسة زلازل مدمرة بمقياس أكبر من 8 درجات، وستستمر في التعرض لمثل تلك الزلازل، وهذا لأن تشيلي تقع ضمن أكبر حزام للزلازل في كوكب الأرض!
تقع تشيلي أعلى ما يسميه العلماء بـ”حلقة النار” أو “حزام ما حول المحيط الهادئ”(2)، وهي ليست حلقة بالمعنى المفهوم، وإنما شريط جغرافي طوله نحو 40 ألف كيلومتر يشبه شكل حدوة الحصان شهد 81% من زلازل العالم الكبرى، ويمتد حول المحيط الهادئ، بداية من جنوب قارة أميركا الجنوبية عبر خندق بيرو-تشيلي، وصولا إلى خندق أميركا الوسطى، وينطلق بعد ذلك صعودا في أميركا الشمالية بمحاذاة جبال روكي إلى ألاسكا، ثم عبر مضيق بيرنغ إلى اليابان نزولا إلى الفلبين وإندونيسيا، ثم في النهاية نيوزيلندا.
في تلك النقطة يجب أن نأتي على ذكر زلزال ألاسكا العظيم أو زلزال الأمير وليام(3) سنة 1964، وكان مركزه هو لسان بحري يحمل الاسم نفسه في خليج يقع جنوب ولاية ألاسكا في الولايات المتحدة الأميركية، هذا هو ثاني أقوى زلزال في العالم بقياس 9.2 درجات. مقارنة بزلزال تشيلي، كان هذا الزلزال أقل ضررا لأنه وقع في منطقة أقل اكتظاظا بالبشر، وأودى التسونامي الناتج عنه بحياة 128 شخصا فقط، شعر الناس بالزلزال بشكل رئيسي في ألاسكا، وكذلك بعض الأماكن في كندا، فيما تسبب التسونامي الناتج عنه في أضرار في أماكن بعيدة مثل هاواي (جدير بالذكر أن موجات التسونامي تحدث نتيجة للزلازل الكبرى حينما تقع في أو على حافة المحيطات).
لكن لا بد أنك تتساءل عن السبب في أن تلك المنطقة تحديدا تشهد أكثر الزلازل والبراكين، والإجابة عن أسئلتك تتعلق بالصفائح التكتونية. في تقرير سابق، تحدثنا عن قشرة الأرض الصخرية، وكيف أنها تتكون من نحو 20 صفيحة صخرية تشبه في تداخلها قطع الأحجيات الورقية التي تتطلب منك أن تضعها جنبا إلى جنب كي نحصل على صورة مكتملة، تلك الصفائح تتحرك بالنسبة لبعضها بعضا ببطء شديد كل عام (سنتيمترات قليلة)، تقترب من بعضها بعضا أو تبتعد، وحينما تقترب فإنها تحتك معا.
في الحالة الطبيعية، تنزلق تلك الصفائح قبالة بعضها بعضا بسلاسة صانعة ما يسمى “الفوالق”، لكنها في بعض الأحيان تتداخل معا بعنف، فتحدث الزلازل والبراكين. ولو دققت النظر قليلا لوجدت أن غالبية المحيط الهادئ يقع أعلى صفيحة المحيط الهادئ التكتونية، إلى جانب عدة صفائح صغيرة مثل صفيحة نازكا، وحدودها جميعا مع الأميركتين وآسيا هي نفسها حدود حلقة النار، الأمر إذن أن حلقة النار ليست إلا حدودا للتفاعل العنيف بين صفائح تكتونية محددة.
طريق الألب-الهيمالايا الذي يمر بجوار بلادنا
إلى جانب حزام حلقة النار، يوجد حزام آخر يجري على اليابسة هو “الحزام الألبي”(4)، وهو حزام زلزالي وجبلي يمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر على طول الهامش الجنوبي من قارتي آسيا وأوروبا، فيبدأ من جاوة وسومطرة، ثم عبر شبه جزيرة الهند الصينية، ومن ثم جبال الهيمالايا وما وراءها، ثم جبال إيران والقوقاز والأناضول وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، وحتى المحيط الأطلسي، هذا الحزام مسؤول عن 17% من الزلازل الكبرى في العالم.
الحزام الألبي حيث تكثر الزلازل (ويكيبيديا)
واحد من هذه الزلازل هو الثالث في ترتيب الأكبر في العالم، بقوة 9.1 درجات، الذي ضرب سومطرة(5) بإندونيسيا في ديسمبر/كانون الأول 2004. من حيث الأضرار والخسائر في الأرواح، كان حجم الكارثة الناجمة عن هذا الزلزال والتسونامي الذي تبعه (تسونامي يوم الملاكمة) هائلا، حيث قُتل وفقد نحو 230 ألف شخص، وهجر نحو 1.7 مليون شخص منازلهم.
وهنا تحديدا يأتي ذكر زلزال سوريا وتركيا الأخير، إلى الآن تخطى عدد قتلى هذا الزلزال أربعين ألف حالة، في مأساة لم تتكرر منذ أكثر من مئة سنة في هذه المنطقة من العالم التي شهدت كثيرا من الزلازل القوية بمقياس أعلى من سبع درجات، بعضها كان مميتا وبعضها الآخر مر بسلام، لكن للأسف فإن هذه المنطقة من العالم سوف تظل معرضة مستقبلا لخطر الزلازل الكبرى، فهي جزء من الحزام الألبي، الذي يمتد على حدود الصفائح التكتونية الأفريقية والعربية والهندية من الجنوب، والصفيحة الأوراسية من الشمال، ومع تداخلها معا تحدث الزلازل.
أثر هذا الحزام يمتد ليصل إلى بعض دول الوطن العربي، تحديدا شمالا، حيث تتماس حدود العراق مثلا مع إيران قرب مناطق الزلازل الكبرى، ومرورا بسوريا والأردن وفلسطين ولبنان حيث يوجد ما يسمى بـ”فالق البحر الميت”(6)، وهو سلسلة من الصدوع التي تلتقي عند تقاطع الصفيحة الأفريقية في الغرب والصفيحة العربية في الشرق، وكذلك يمتد أثر الحزام الألبي إلى شمال المغرب العربي، حيث التماس بين حدود الصفيحة الأفريقية جنوبا والأوراسية شمالا، ورغم أن احتمالات الزلازل المدمرة في هذه المنطقة أضعف مقارنة بأوروبا مثلا، فإنها لا تزال واردة كما ظهر في زلزال المغرب الحالي.
أما بقية دول الوطن العربي فهي آمنة نسبيا من الزلازل الكبرى المدمرة، لا يعني ذلك أنها معصومة تماما، لكن إذا كان هناك احتمال كبير أن يضرب زلزال قوي منطقة ما في محيط البحر الميت كل نحو 50 سنة، فإن الاحتمال نفسه في منتصف المملكة العربية السعودية (الرياض مثلا) ينخفض إلى زلزال كبير كل أكثر من 500 سنة، الأمر نفسه ينطبق على الكثير من دول الجزيرة العربية، ترتفع الاحتمالات قليلا في دول مثل مصر (تحديدا الدلتا والقاهرة وشبه جزيرة سيناء وأعلى بحيرة ناصر)، لكنها تظل حول زلزال كبير كل 250-500 سنة، أي أقل بكثير إذا ما قورنت بالمناطق في حزام الألب.
هذه الأدوات الاحتمالية ساعدت العلماء في التنبؤ بأماكن الخطورة ومعدلات الزلازل الكبرى على مدار عشرات إلى مئات الأعوام، خذ ولاية كاليفورنيا الأميركية على سبيل المثال، حيث يُحتمل بنسبة 72% أن تختبر زلزالا كبيرا على أي نقطة في فالق سان أندرياس، تنخفض النسبة إلى نحو 30% في بعض المناطق في اليابان، لكن إلى لحظة كتابة هذه الكلمات، فإن العلماء لا يمتلكون آليات للتنبؤ بدقة بمواعيد حدوث الزلازل (نقصد الموعد والقوة والمكان بالتحديد)، فقط نمتلك احتمالات كانت قريبة للصواب في معظم الحالات، لكنها لم تكن كذلك في عدد قليل منها.
عبر المحيط الأطلسي
في كل العالم، ترتفع احتمالية الزلازل في هذه المناطق، سواء حزام ما حول المحيط الهادئ أو الحزام الألبي، ولو قررت جمع النسبتين لوجدت أن 98% من الزلازل الكبرى في العالم تحدث في هذا الشريط الجغرافي الضيق، وهي غالبا المناطق التي ستقرأ عنها في نشرات الأخبار كل عدة أعوام، إلى جانب خط ثالث يمتد على الحدود بين الصفيحة الأفريقية والأوراسية شرقا، والصفيحتين الأميركيتين غربا، ونعرفه باسم حيد وسط المحيط الأطلسي(7).
يجري هذا الحزام الثالث بطول أراضي المحيط الأطلسي، وبذلك هو أكبر تشكيل جيولوجي في العالم، معظمه سلسلة جبال تحت الماء تشكَّلت إثر ابتعاد الصفائح التكتونية، وبالتبعية لا نسمع كثيرا عن الزلازل المرتبطة به، لكن هناك أجزاء منه ترتفع بما يكفي لتظهر فوق سطح البحر، في آيسلندا مثلا، التي تقع مباشرة على قمة سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي، شهدنا زلازل كبيرة تصل إلى 6.9 درجات على المقياس.
فقط تأمل قائمة الزلازل الأقوى في العالم، وقد ذكرنا منها ثلاثة بالفعل (زلزال تشيلي العظيم، وزلزال الأمير ويليام، وزلزال سومطرة)، ويليها زلزال وتسونامي توهوكو 2011 بقوة قدرت بـ9.1 درجات على المقياس، ثم زلزال وتسونامي سيفيرو كوريلسك 1952 قبالة ساحل شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية بقوة 9.0 درجات، وزلزال بيو-بيو في تشيلي 2010 بقوة 8.8 درجات، وصولا إلى الزلزال العاشر في ترتيب القوة وهو زلزال آسام – التبت 1950 بقوة 8.6 درجات، ستجد أنها جميعا إما حدثت على حزام حلقة النار وإما الحزام الألبي، فقط شريط ضيق طوله نحو 55 ألف كيلومتر تسبب في أقوى زلازل عرفها العالم حتى يومنا هذا.