بجسمه النحيل ويديه الصغيرتين ووجهه الشاحب، ينفث بكل قوته من سيجارة إلكترونية تعرف بـ “فيب” خلال وجوده في حافلة نقل عام، في مشهد تتعدد صوره مؤخرا لأطفال مدخنين دون 18 عاما.
عبد الرحمن (15 عاما) يعمل في العطلة المدرسية الصيفية عند أحد محال ميكانيك المركبات في لواء عين الباشا، وتتدلى من عنقه سيجارة إلكترونية، سهلة الاستخدام متوافرة طوال الوقت.
في تجربتهما الأولى، يشترك عبد الرحمن وصديقه بشراء سيجارة واحدة لاستخدامها بالتناوب، بعد أن شهد تجربة لابن عمه الذي يكبره بسنوات.
وتشير تقارير إلى تزايد استخدام السجائر الإلكترونية بين طلبة المدارس، كان آخرها تحذير جدي أورده البنك الدولي في مدونة أصدرها مطلع آب الحالي من أن 24% من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما هم من المدخنين الحاليين في الأردن.
أما أحمد (19 عاما) الذي تعلم التدخين من زملائه خارج حدود المدرسة في منطقة صويلح غربي عمّان، قبل ثلاث سنوات، يروي تجربته الأولى في التدخين “كنت في جلسة مع أصدقائي وكان منهم معي بالصف ذاته ومنهم من خارجه عزموا علي وأنا أخذت وبعد سجائر عديدة أصبحت مدخنا”.
تحول أحمد من تدخين السجائر العادية إلى الإلكترونية، فاشترى واحدة بقيمة 15 دينارا بحجة أن “السجائر الإلكترونية لا تسبب البلغم والسعال كما العادية”.
“بدينار فقط!”
وتتعدد أصناف السجائر الإلكترونية في السوق المحلية، والأسعار في متناول الجميع، كما يقول أبو خليل، مالك متجر في عمّان، حيث تتراوح الأسعار لمختلف أنواع السجائر الإلكترونية بين 17 و55 دينارا، مؤكدا أن “أكثر المشترين تتراوح أعمارهم بين 15 و22 عاما”.
ويشير أبو خليل إلى أسلوب جديد يتبعه المدخنون الصغار في السن وهو “اللجوء إلى تعبئة السائل الخاص بالسيجارة بقيمة دينار فقط”.
ورصدت جمعية “لا للتدخين” وفق دراسة مسحية أجرتها بالتعاون مع مركز الحسين للسرطان، ونشرت نتائجها في شهر تموز الماضي، “دليلا قاطعا” على استهداف طلبة المدارس بتشجيعهم للإقبال على التدخين والسجائر الإلكترونية من خلال توفير منتجات التبغ بمحال محيطة بالمدارس.
في عمّان، أجري مسح على 94 مدرسة يحيط بها 219 متجرا، وجد أن 70% منها تبيع منتجات التبغ في محيط لا يتجاوز 150 مترا بشكل يخالف القانون، بحسب أمينة سر الجمعية لاريسا الور.
وأكدت الور أن القانون يمنع بيع منتجات التبغ في محيط المدرسة سواء التقليدية ضمن مساحة 250 مترا، أو 500 متر للتبغ المسخن والسجائر الإلكترونية”.
ووفق المسح الوطني التدريجي الأخير الصادر عن وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2019 فإن 66.1% من الذكور الأردنيين يدخنون منتجات التبغ، إضافة إلى 16.4% يستخدمون السجائر الإلكترونية، وبلغت نسبة المدخنين بين السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و69 سنة 41%.
وبحسب المسح ذاته، بلغت نسبة المدخنين بين الشباب في الفئة العمرية (15-24 سنة) 14.2%، حيث كانت نسبة المدخنين الذكور 23.3% فيما بلغت للإناث 4.4%.
– لماذا تنتشر السجائر الإلكترونية بين الأطفال؟ –
وتصف أمينة سر جمعية “لا للتدخين” الور، الأرقام بـ “المخيفة”، عازية هذا الانتشار المتسارع للتدخين بين طلبة المدارس إلى الأساليب الترويجية والإغراء المقدم لهم، “فالطفل وهو خارج من مدرسته يجد هذه المنتجات في المتاجر بجانب الحلوى شكلها مغري وألوانها جذابة إضافة إلى النكهات المتعددة لها وأخرى مضيئة”.
ويرى نائب الاتحاد الدولي لمكافحة التبغ رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين بسام الحجاوي أن البيئة المحيطة تساعد على انتشار التدخين “سواء من قوانين غير مفعلة أو من صناع قرار وقياديين ومعلمين وأطباء مدخنين، أو من سعر منتجات التبغ التي في متناول اليد”.
وتؤكد مديرة مكتب مكافحة السرطان نور عبيدات أن بدء التدخين بأعمار صغيرة دون 18 عاما يصعب الإقلاع عنه، فيصبح الإدمان أكبر، والمشكلة حاليا بحسب رأيها “أننا لا نحمي جيل الأطفال من التدخين الذين يكبرون في بيئة كلها تدخين”.
وبحسب الأرقام التي أوردتها منظمة الصحة العالمية، فإن 9 من كل عشرة مدخنين يبدأون التدخين قبل سن ثمانية عشر عاما، وأن 34.7% من المدخنين الحاليين بدأوا التدخين قبل سن ستة عشر عاما.
“وهم”
ويشير مدير التوعية الصحية في وزارة الصحة غيث عويس إلى أن الأرقام الحالية في “تزايد وأكثر انتشارا” بسببب زيادة الترويج وانتشار التدخين غير التقليدي كالسائل المسخن في السجائر الإلكترونية.
ولفت عويس النظر إلى “وهم يروّج بأن السجائر الإلكترونية بديل لترك التدخين التقليدي وأنها أقل ضررا، إلا أنها الآن باتت إدمانا لدى الأجيال الصغيرة حيث يوجد فيها مادة النيكوتين”.
ووفق تأكيدات وزير الصحة فراس الهواري فإن نسب الإصابة بالسرطان وأمراض القلب نتيجة التعرض للتدخين السلبي في الأردن وصلت بين 25% إلى 30%، مشيرا إلى أن نسبة التدخين في الأردن تجاوزت 60% فيما للتدخين السلبي 65%.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن منتجات التبغ ما زالت تقتل 8 ملايين شخص سنويا، نتيجة وقوعهم في فخ استراتيجية تسويق هائلة تبلغ قيمتها قرابة 9 مليارات دولار سنويا.
– هل الإجراءات كافية؟ –
واعتبر جلالة الملك عبدالله الثاني أن الوضع الحالي ليس مقبولا، وأن مواجهة خطر التدخين أولوية، داعيا خلال لقائه وزيري الصحة والتربية والتعليم إلى إعداد استراتيجية متكاملة لمكافحة التدخين حماية للمجتمع خاصة طلبة المدارس.
وستقوم وزارة التربية والتعليم وفق ما صرح وزير التربية عزمي محافظة اعتبارا من الفصل الدراسي الحالي لمكافحة التدخين وبالتنسيق مع وزارة الصحة بتسمية ضابط ارتباط عدلية لمنع التدخين داخل الوزارة والمديريات، وإعداد أدلة تثقيفية لإكساب الطلبة المهارات لوقايتهم من أخطار التدخين.
وستطلق الوزارة مبادرة إعلامية لطلبة المدارس وإعداد بروتوكول تشخيصي وعلاجي لتحديد خطوات التشخيص والعلاج لحالات التدخين والإدمان.
وتحظر المادة 53 من قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 التدخين في الأماكن العامة، على أنه يجوز بقرار من الوزير وبناء على تنسيب مدير الصحة المختص تحديد مكان خاص يسمح فيه بالتدخين في المكان العام شريطة مراعاة صحة الجمهور وسلامته، والإعلان عن هذا المكان بصورة واضحة في مكان بارز وباللغة العربية.
ووفق المادة 63 من القانون يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر أو غرامة مالية لا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أو كلتا العقوبتين على كل من يبيع التبغ للأطفال، كما نصت المادة 55 من القانون صراحة على أنه يحظر على أي شخص بيع منتجات التبغ لمن يقل عمره عن ثمانية عشر عاما، وبيع السجائر بالتجزئة.
الجولات التفتيشية لأمانة عمّان وفق دورها الرقابي لمكافحة التدخين ووفق تقرير النصف الأول من هذا العام سجلت 59 مخالفة بحق منشآت إضافة إلى إنذار 43 منشأة أخرى لتقديمها الأرجيلة في أماكنها غير المخصصة، و33 مخالفة بحق أفراد، وإنذار 428 فردا لتدخين سجائر في الأماكن غير المخصصة، وإغلاقها لـ21 منشأة.
ويرى عويس أن وسائل التوعية حاليا يجب أن تتواكب مع آلية الترويج الضخمة والجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بها شركات التبغ للترويج لمنتجاتها بأشكالها الجديدة.
كما تعتقد الور أن مكافحة التبغ يجب أن ترتكز على جانبين؛ وهما وجود إرادة سياسية حقيقية للحفاظ على الصحة العامة بتطبيق القانون والأخرى حماية الأطفال بعدم السماح للشركات باستهدافهم بمنتجاتها.
وتقترح استحداث قوانين جديدة مثل موضوع التغليف الموحد الذي لجأت إليه عمّان والسعودية بحيث “تكون علبة السجائر سوداء اللون عليها صورة تحذيرية كبيرة غير جاذبة”.
وتضيف الور مقترحات أخرى “رفع سن التدخين حتى سن 21 عاما، وتشديد الرقابة على السجائر الإلكترونية ومنع النكهات المستخدمة فيها”.
وتشير التقديرات العالمية إلى أن أكثر من 40 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما بدأوا بالفعل بتدخين التبغ وهو ما يدق ناقوس الخطر تجاه تفشي آفة التدخين.