يشعر العرب داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل بقلق بعد تعديل الكنيست بند “حجة المعقولية” الذي يحدّ من صلاحيات المحكمة العليا في إلغاء قرارات حكومية، متخوّفين من أن تنجم عنه خطوات وتشريعات تستهدفهم.
ويرى أستاذ القانون وعضو الكنيست السابق يوسف جبارين أن تعديل بند “حجة المعقولية” الذي يشكّل أحد أبرز التعديلات القضائية المطروحة، ستكون له إسقاطات واضحة على المواطن من فلسطيني أراضي 1948 بعد إضعاف المحكمة العليا في ظل حكومة يمينية متطرفة.
وتثير خطة التعديل القضائي معارضة واسعة داخل إسرائيل وتظاهرات احتجاجية متواصلة منذ أن اقترحها في مطلع كانون الثاني الائتلاف الحكومي الذي شكّله بنيامين نتنياهو مع اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتشددة.
وشارك العرب في بعض الاحتجاجات في حيفا وغيرها من الأماكن منفصلين عن التظاهرات الحاشدة التي تلوّح بالأعلام الإسرائيلية لا سيما في تل أبيب، بينما حمل العرب لافتات تطالب بالمساواة وترفض التعديلات القضائية المطروحة.
ويبدي يوسف جبارين قلقه من أن “صلاحيات استبدادية” للائتلاف الحكومي سيكون لها تأثير على الفلسطينيين داخل إسرائيل و”ستشدّ الخناق على قياداتهم السياسية”.
ومن الإجراءات التي يخشى جبارين أن تتخذها الحكومة، في ظلّ تغييب رقابة المحكمة العليا، وصم قيادات عربية بأنها خارج القانون وتجريم العمل السياسي للعرب وفرض الاعتقال الإداري وتقييد حرية الحركة وغيرها.
وتحتلّ إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ عام 1967، وتسعى، لا سيما في ظل حكومات نتنياهو، إلى توسيع الاستيطان، وسيساعدها في ذلك، وفق مراقبين، غياب الرقابة القضائية.
ويقول جبارين “من خلال عدم الرقابة الإسرائيلية، ستكون لليمين صلاحيات أكثر وأوسع من ناحية اختصار الوقت لتنفيذ المشاريع”.
لكنه يستدرك “هذا لا يعني أن القضاء الإسرائيلي يوفّر أي حماية تُذكر للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. على العكس، النظام القضائي شرّع الاستيطان، لكن حتى القليل الذي قدّمته المحكمة العليا ضد المشاريع الاستيطانية يريد اليمين المتطرّف التخلص منه”.
في مدينة مجد الكروم في الجليل الأعلى تقول سميرة كنعان خلايلة (57 عاما) “العرب موجودون على الهامش قبل قانون الحدّ من حجة المعقولية، لكن الآن، أي قرار سيلجأ العرب فيه إلى المحكمة العليا لن يعود له أي وزن يذكر”، معربة عن تشاؤمها من هذه الحكومة “الأسوأ على الإطلاق. الآتي سيكون سيئا جدا علينا”.
ويعتبر مركز “مساواة” الذي يدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع العربي في الأراضي التي تحتلها إسرائيل أن بند “حجة المعقولية سيعمّق المسّ بحقوق الأقلية العربية والاحتلال، وسيمسّ بحقوق الإنسان”.
ويقول مدير المركز جعفر فرح “على الرغم من انتقادنا للجهاز القضائي الإسرائيلي، هناك أمل في المجتمع الفلسطيني في أن تتدخّل المحاكم في القرارات غير المعقولة للحكومة”.
“تعميق الفساد المؤسساتي”
ويضيف فرح “أن التآكل المتواصل لقدرة المحاكم في الدفاع عن حقوق الإنسان الفردية والجماعية في مواجهة السياسة الحكومية سيعمّق أيضا الفساد المؤسساتي”، متوقعا سلسلة “انتصارات” يخطّط لها الائتلاف الحكومي.
وقدمت نقابة المحامين وغيرها من المؤسسات التماسات للطعن في بند “حجة المعقولية” الذي أصبح قانونا، بينما أجّلت المحكمة العليا النظر في القانون إلى ما بعد العطلة القضائية في أيلول.
وتقول المحامية ليئا تسيمل من جهتها لوكالة فرانس برس “من المؤكد أن هذا التشريع سيؤثّر على المجتمع العربي في إسرائيل لكنه سيؤثر أيضا على المجتمع الإسرائيلي اليهودي بصورة أخرى من ناحية الوزارات والمؤسسات”.
وتستدرك مشيرة إلى أن المحكمة العليا، حتى عندما كان يمكنها أن تستخدم حجة المعقولية، وقفت أحيانا كثيرة إلى جانب الحكومة وقراراتها.
وتشير إلى أن المحكمة العليا رفضت في الماضي التماس الطعن بقانون القومية الذي لا يوجد فيه بند مساواة للعرب، رغم حجة المعقولية.
كذلك لم ترفض المحكمة “قانون أملاك الغائبين” الذي ينصّ على أنه بمجرّد أن يكون المواطن العربي غائبا عن منزله لدى وصول قوات الهاجاناة إلى بيته، يصبح المنزل ملكا للدولة، ولا يعاد إلى صاحبه.
في القدس الشرقية المحتلة في البلدة القديمة وحي الشيخ جراح، تقوم إسرائيل بإخراج الفلسطينيين من منازل تزعم أنها كانت “ملكا ليهود” في مرحلة ما من التاريخ، رغم عقود إيجار أو بيع قانونية قديمة. وتقبل المحكمة العليا بذلك.
وتتساءل تسيمل “هل هذا معقول؟ بالطبع غير معقول.. لكن المحكمة العليا مرّرت هذه القوانين لصالح الدولة أو الجمعيات الاستيطانية وتجاهلت حجة المعقولية”.
كما تشير إلى قوانين هدم بيوت عائلات قام أفراد منها بتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين.. “فمن غير المعقول أن تعاقب عائلة من أجل فرد، لكن المحكمة العليا لم تستخدم صلاحياتها القانونية بحجة المعقولية وسارت مع الدولة مبرّرة عمليات الهدم بأنها تخدم أمن الدولة”.
أ ف ب