واختتمت مبادرة “سينما البحر” قبل أيام عرض خلالها 15 فيلما معظمها شارك فلسطينيون في إنتاجها أو التمثيل فيها أو تتناول قضايا تهمّ الفلسطينيين، في فعالية نظمها مقهى واقع في غرب مدينة غزة بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، بحسب علي مهنا وهو مؤسس الاستراحة ومخرج مسرحي.
كانت الطفلة سلمى شملخ (سبعة أعوام) تجلس على الرمل بفستانها الوردي حافية القدمين محدقة في الشاشة التي تعرض فيلم الرسوم المتحركة الشهير “فردينايد”.
وقالت بدهشة ردا على سؤال لوكالة فرانس برس “لم أشاهد تلفزيونا بهذا الحجم في حياتي”.
ويعود تاريخ السينما في قطاع غزة إلى أربعينيات القرن الماضي عندما أنشئت سينما “السامر” التي تم تحويل مبناها إلى وكالة لبيع السيارات. وأغلقت دور السينما في القطاع خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) لتعود بعد نشأة السلطة الفلسطينية عام 1994 وافتتاح سينما “النصر” في وسط غزة، لكن متظاهرين إسلاميين أحرقوا مبناها في العام 1996.
وتقول سلمى بعد انتهاء الفيلم المدبلج إلى العربية “الحيوانات كانت تبدو كبيرة ومخيفة أحيانا… بيتنا قريب سأطلب من أمي أن تحضرنا كل يوم”.
في ظل ارتفاع درجات الحرارة، يبدو الشاطئ أيضا الملاذ الوحيد لسكان القطاع الذي يتجاوز عدد سكانه المليونين ويخضع لحصار إسرائيلي منذ سيطرة حركة حماس عليه في العام 2007، بينما معبر رفح مع مصر لا يفتح إلا بتقطّع ويستوجب أذونات معقّدة.
ويقول علي مهنا “اخترنا عرض الأفلام على شاطئ البحر لأنه المتنفس الوحيد لسكان القطاع”.
وقالت منى حنفي (50 عاما) التي جاءت في يوم آخر وحضرت مع ابنتها فيلم “فرحة” الذي يروي قصة مروعة لفتاة فلسطينية خلال حرب 1948 أو النكبة، “رؤية الأطفال والناس يتابعون السينما المفتوحة بانبهار في غزة أسعدتني”.
وقالت الطفلة هديل حجي من جهتها “لم أر مثل ذلك في حياتي… كنت مع عائلتي عندما شاهدت الشاشة من بعيد، فأتيت”.
وتأسّس مقهى “تعاونية البحر إلنا” الذي استضاف الحدث وتشرف عليه مجموعة من فناني غزة، العام 2020 بتمويل مؤقت من مؤسسات فلسطينية تدعم الفن والثقافة، بحسب مهنا. وبعد انتهاء التمويل، تواصلت العروض السينمائية معتمدة على مساهمات من روّاد المكان سواء بالتطوع، تقديم نشاطات أو مساهمات عينية ومادية.
ويقدّم المقهى الشاي والقهوة، ويبلغ سعر الفنجان شيكلين (نصف دولار أميركي).
ويوضح مهنا أن اختيار الأفلام ركّز على تسليط الضوء على الأعمال الدرامية التي “ساهم فلسطينيون في إنتاجها ولتوصيل قيم المجتمع”.
– “عادات وتقاليد” –
ويضيف “كلّ ما نملكه هو الفن لإيصال رسالة للجمهور”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المبادرة “موجّهة إلى العائلات والأطفال، ونراعي في اختيار الأفلام عدم وجود تعارض مع العادات والتقاليد والدين وأن يتقبلها الجميع”.
ويشدّد عاطف عسقول، مدير عام الفنون والتراث في الهيئة العامة للثقافة والشباب، وهي الجهة المسؤولة عن الموافقة على أي فعاليات ثقافية أو فنية في حكومة غزة، من جانبه، على ضرورة “مراعاة العادات والتقاليد”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “المجتمع في غزة يعاني آثار الوضع المعيشي السيء والحصار والحروب الإسرائيلية، ومن حقه أن يشاهد الأفلام والسينما”.
ومنذ العام 2008، خاض الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة ثلاثة حروب، وحصل أكثر من تصعيد دام بين الفصائل الموجودة في غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ومن بين الأفلام التي عرضت ضمن المبادرة فيلم “فرحة” الذي يتناول قصة فتاة فلسطينية عمرها 14 عاما يضطر والدها لحبسها في غرفة أثناء اقتحام الجنود الإسرائيليين للمدن والقرى الفلسطينية في العام 1948.
وقالت منى حنفي “الفيلم رائع في تناول قصة فلسطينية وواقعية… الأداء والإخراج مبهران، لم أتوقّع أن إنتاجنا الفلسطيني وصل إلى هذا المستوى”.
أ ف ب