هلا نيوز – انيس فوزي قاسم
نشرت صحيفة «عمون» الإلكترونية بتاريخ 2/7/2023، ترجمه لما ورد على لسان سكرتير الحكومة الإسرائيلية في جوابه لمنظمة «عدالة»، وهي منظمه حقوقية إسرائيلية تُعنى بشؤون الأقلية العربية في إسرائيل، التي اعترضت على شرعنة البؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار أن ذلك مخالف للقانون الدولي.
إن الرد على مزاعم سكرتير الحكومة يحتاج إلى أكثر من مقال، ولكن يمكن تلخيص جوابه، الذي صدر باسم بنيامين نتنياهو، في نقطتين رئيسيتين: الأولى أن الأردن استولى بشكل غير قانوني على أراضي الضفة الغربية في نهاية الانتداب، وبالتالي لم يكن الوجود الأردني فيها شرعياً، وهذا يجعل الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية شرعياً، واكتسبت إسرائيل السيادة عليها. والنقطة الثانية أن قوانين الاحتلال تطبق حين تتم إزاحة سلطة شرعية من الحكم، وحيث أن الأردن لم يكن هو السلطة الشرعية التي تمت إزاحتها في حرب 1967، فلا مجال لتطبيق القوانين الدولية الخاصة بالاحتلال، وبالتالي يزعم أن إسرائيل ليست سلطة احتلال، بل هي تملك الأرض وفق القانون. طبعاً لا يخفى على أحد المغزى الاستعماري والشهية التوسعية لهذه الأقوال، إلاّ اننا سوف نقصر الحديث على الجوانب القانونية.
مزاعم سكرتير الحكومة قديمة طرحها في عام 1968، يهودا بلوم، الذي كان محاضراً في الجامعة العبرية، ثم أصبح ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة. ومنذ أن نشر دراسته تلك تغيّر الموقف الرسمي الإسرائيلي، الذي اصبح يتبنى كل ما ورد في تلك الدراسة، وهذا ما ردده مناحيم بيغن رئيس الوزراء عام 1977، وما يردده بنيامين نتنياهو الآن.
المجتمع الدولي، أجمع على أن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي «أرض محتلة» وتخضع لقوانين الحرب ولقوانين حقوق الإنسان
قبل الرد على مزاعم سكرتير الحكومة، يجب التأكيد، وباختصار، أن أطروحات يهودا بلوم لم تجد من يؤيدها من رجال القانون، حتى من القانونيين الإسرائيليين مثل ناثان فاينبرغ وإيال بنفينستي، وقبل هؤلاء كان ثيودور ميرون، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي عارض إلى حدٍ بعيد أطروحات بلوم، وبالتالي ما يردده سكرتير الحكومة الآن. أما الرد على النقطة الأولى في مزاعم سكرتير الحكومة، فإن القوات المسلحة الأردنية دخلت إلى فلسطين في 19/5/1948، ولم يكن ذلك تبرعاً أو تطفلاً، بل كان استناداً إلى قرار من جامعة الدول العربية، وقد سبق الأردن لذلك دخول القوات المصرية في 15/5/1948، أي يوم انتهاء الانتداب، ودخلت القوات السورية ودخلت قوة صغيرة من الجيش اللبناني. كما دخلت قوات عراقية دعماً للقوات الأردنية. وللعلم، فإن خطة الجيوش العربية كانت لإنقاذ ذلك الجزء من فلسطين، الذي اقترحته هيئة الأمم المتحدة للدولة العربية، أي لا تتجاوز لحدود الدولة اليهودية. وكان الأردن الدولة الوحيدة التي تجاوزت اقتراح المنظمة الدولية حول القدس، إنقاذاً للقدس الشرقية ومقدساتها ونجحت في ذلك. وفي جميع الحالات، كان المرحوم الملك عبد الله الأول هو القائد العام للقوات العربية. وقد دافعت الوفود العربية عن تدخلها في فلسطين أمام مجلس الأمن الدولي استناداً إلى المادة (52) من ميثاق هيئة الأمم، التي تنص على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي»، وكانت الإشارة واضحة إلى الجامعة العربية، التي تعتبر «تنظيماً إقليمياً»، وقد اعتبرت الوفود العربية، أن محاولات الجامعة العربية لحل الصراع سلمياً قد فشلت، ما جعل مسألة الأمن والسلم من مسؤولية المنظمة الإقليمية، التي دعيت من قبل ممثلي الشعب الفلسطيني للتدخل والمساعدة ضد العدوان الصهيوني، الذي ارتكب آنذاك مجازر بشرية ضد المدنيين الفلسطينيين، وتسبب في هجرة واسعة، وبهذا يصبح التدخل العربي في فلسطين ضروريا لأمن الإقليم، كما أنه تدخل يتفق ومبادئ القانون الدولي. كان التدخل العربي مؤيداً بحق الدفاع عن النفس الجماعي، ذلك أن علاقة فلسطين بالجامعة العربية، وطبقاً لميثاقها، كانت منظمة بموجب بروتوكول خاص، ما يجعلها طرفاً مؤهلاً لطلب التدخل من قبل الدول العربية. وطبقاً للمادة (51) من الميثاق فإن حق الدفاع عن النفس الفردي والجمعي هو الاستثناء الوحيد لمبدأ تحريم استخدام القوة، حيث تنص على أن «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم». وعلى سند من هذا المبدأ، وتفويض الجامعة العربية، وطلب ممثلي فلسطين فإن الوجود الأردني في فلسطين كان وجوداً قانونياً ومشروعاً. أما استمرار الوجود الأردني في الضفة الغربية، بعد توقيع اتفاقية الهدنة في 3/4/1949، فقد استند إلى مبدأ «حق تقرير المصير». فالفلسطينيون الذين بقوا في الضفة الغربية واللاجئون الذين جاءوا إليها، واللاجئون الفلسطينيون الذين هجّروا إلى الضفة الشرقية، وقد بلغ تعدادهم حوالي (80) ألف لاجئ، كانوا يشكلون أغلبية الشعب الفلسطيني. وقد مارس هؤلاء الفلسطينيون الحق بانتخاب عشرين نائباً عنهم، وانتخب الشعب الأردني عدداً مماثلاً، وشكل ممثلو الطرفين مجلس النواب الأردني الأول، الذي صوت على قرار وحدة الضفتين بتاريخ 24/4/1950، أي أن أغلبية الشعب الفلسطيني والشعب الأردني، عن طريق ممثليهم الشرعيين، مارسوا حق تقرير المصير، بإعلان الوحدة بين ضفتي نهر الأردن. وكانت هذه المرة الـولى التي يمارس فيها الشعب الفلسطيني، أو غالبيته، حق تقرير المصير، اي أن ما جرى عام 1950، كان ممارسة لحق تقرير المصير للشعبين الأردني والفلسطيني، وكان ذلك بالاندماج في دولة واحدة، وبالتالي لم تكن عملية ضم أو استيلاء طرف على طرف آخر، كما يحلو لبعض الدعاة ترداده دون تبصّر أو وعي.
ومن هنا ننطلق لتناول النقطة الثانية، وهي الزعم بأن إسرائيل لا تطبق قوانين الحرب على الأراضي المحتلة، لأن السلطة التي كانت موجودة لم تكن سلطة شرعية، وذلك يعني أن إسرائيل تزعم أن وجود الأردن في الضفة الغربية لم يكن وجوداً شرعياً، وبالتالي حين دخلت إسرائيل إلى الضفة الغربية في حزيران/يونيو 1967، فإن دخولها صار شرعياً، وأن شرعيتها تستند إلى أنها كانت تباشر حرباً دفاعية، وبالتالي هي ليست سلطة احتلال وليست ملزمة بتطبيق قوانين الحرب.
طبعاً هذه المزاعم تجد جذورها في مقالة يهودا بلوم المشار إليها، ولكن يجب التأكيد على أن هذه الادعاءات لا تجد لها سنداً في القانون الدولي الاتفاقي والعرفي كذلك، والقول بحق اكتساب الأرض في حرب دفاعية هو قول مرسل لا يستند إلى أي مبدأ من مبادئ القانون الدولي، بل هو تقويض لمبدأ قانوني مهم وهو عدم جواز اكتساب الأرض بالقوة، كما عبر عنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. ومن البديهي أن يتساءل المرء كيف يكون دخول الأردن إلى فلسطين غير شرعي بينما يكون دخول اسرائيل شرعياً؟ وقد تجاهل سكرتير الحكومة، وقبله يهودا بلوم، الانتخاب الحر الذي مارسه الشعبان على ضفتي النهر، والتصويت على الاتحاد في دولة واحدة، وكأن الإرادة الشعبية لم تكن مصدر الشرعية، ولم تكن في وارد أي منهما. كما أن الادعاء بأن إزاحة سلطة قائمة يبرر عدم تطبيق قوانين الحرب، إذا كانت تلك السلطة غير شرعية هو هراء مطلق، ذلك أن كل الأدبيات المتعلقة بقوانين الحرب لا تؤيّد هذه المزاعم، بل تدحضها، ذلك أن قوانين الحرب جميعها تمت صياغتها لحماية المدنيين والجرحى والأسرى وممتلكاتهم، ولم تأت لتحديد السيادة على أرض أو الوضع القانوني لإقليم معيّن. وظلت منظمة الصليب الأحمر الدولية، وهي الراعية الأولى لقوانين الحرب، تؤكد أن تلك القوانين هي ذات صبغة إنسانية وليست سياسية، ورفضت صراحة المزاعم الإسرائيلية.
وبعد ذلك كله، فإن المجتمع الدولي، أجمع على أن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي «أرض محتلة» وتخضع لقوانين الحرب ولقوانين حقوق الإنسان، وهناك المئات من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومنظمة اليونسكو والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وفوق ذلك كله، محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة عام 2004، كما أجمع العالم على أن إسرائيل هي السلطة القائمة بالاحتلال، التي عليها أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية، بما يتبع ذلك من تعويضات عن سرقة الممتلكات، واستغلال المصادر الطبيعية والأرض، وما ألحقته من دمار مادي ومعنوي- وعلى هذا جاء الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية، وتقف إسرائيل بمفردها ضد هذا الإجماع الدولي.
محام وكاتب فلسطيني