في بلادنا ثمة امر غريب.
و لكي تقدم الى وظيفة او تدخل الى الجامعة او تقدم لرخصة سواقة عليك ان تصدر شهادة عدم محكومية.
ومن يترشح الى البرلمان والى الانتخابات البلدية ومجلس المحافظة تطلب الهئية المستقلة للانتخاب منه عدم محكومية. و اي انتخابات تمثلية لناد او نقابة او جمعية يستلزم اصدار عدم محكومية. و باستثناء الوزراء يعينون دون اصدار شهادات عدم محكومية. و يقدم لاصدار شهادة عدم المحكومية لوزارة العدل ومحاكم المملكة.
و قضيتي هنا تخص.. الشباب الواعدين والصاعدين في الحياة والعمل والمجتمع، هم الاكثر اقبالا على التقدم لاصدار شهادة عدم محكومية. شباب خريجو ثانوية عامة، وخريجو جامعات، وخريجو كليات، ومعاهد تقنية ومهنية، وراسبو توجيهي يبحثون عن دروب وسبل اخرى
ليشقوا طريقهم في الحياة. عدم المحكومية ادرجت في سبعينات القرن الماضي كشرط لما قبل التقدم الى وظائف او الحصول على خدمات حكومية.
و قد مر اكثر من نصف قرن على تعريف المفهوم الجرمي المجتمعي، ومعيار منح عدم محكومية او منعا .
و الدنيا تغيرت، وتبدلت الاحوال الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وانقلبت رأسا على عقب.
و معدل الجرائم وانواعها واشكالها في المجتمع ينحني نحو ارتفاع جنوني. و الاقتصاد السيئ والاوبئة ضربت في حياة الناس، وبدلت احوالهم، ونحست استقرار عيشهم.
و في الاردن حتى الان ما زال مفهوم عدم المحكومية مضبوطا بمعايير من القرن المنصرم.
و معايير جنائية وجرمية عفا عليها الدهر واكل.
كان تدخين سيجارة الحشيش جريمة تهز الاردن، وخبر يتداوله الاردنيون من الشمال الى الجنوب.
و مدخن سيجارة الحشيش ، ولو من باب التجربة لاول مرة والوقوع في الخطأ، فانه يلعن اجتماعيا، وتقام عليه حدود لا متناهية من العقاب. و اما اليوم، فارقام المخدرات والمتعاطين جنونية وخيالية. و لو اخذنا رصدا سريعا دون سند بياني توثيقي، نحو مئتي الف شاب مضبوطين في قضايا تعاطي مخدرات. هل تعلمون ان هؤلاء غير قادرين على اصدار عدم محكومية ؟
و محرمون من التقدم لاي فرصة عمل، ومحرمون من التوبة، وابواب التوبة مفتوحة في السماء.
ان الله غفور رحيم.. اعرف شبابا كثرا، يشكون من تعلميات اصدار عدم المحكومية. و حرموا من الولوج الى وظائف وفرص عمل لمجرد انه ضبط مرة واحدة يدخن سيجارة حشيش او غير ذلك.
نعم، المخدرات خطر والتعاطي جريمة، وتستحق العقاب.
و لكن استفحال الظاهرة وتفشي المخدرات يستدعي ان نفكر في حكمة ونحمي اجيالا من خطيرين واكثر المخدرات والبطالة والتيه والتطرف ، ونحميهم ان يتحولوا الى مدمنين ابديين، ولماذا لا تفتح ابواب التوبة لهم ؟
في تعليمات اصدار عدم المحكومية هناك ملاحظات كثيفة حول السماح والمنع، والتعريف الجرمي.
هناك شباب محرومون من اصدار عدم محكومية للابد والى يوم القيامة. في فلسفة وحكمة العقاب، عدم تكرار الجرم والتوبة. اكتب هذه السطور على عجالة، وفي بريدي الإلكتروني حطت مئات من الرسائل لشباب واولياء امور غاضبين ومنفعلين، ويبعثون صرخة لعلها تجد اذانا صاغية لدى اهل القرار، وتفك محنة حصولهم على شهادات عدم محكومية.