ماذا يفعل الإمبراطور إذا قطع أنفه ولسانه بعد خلعه؟ ربما سيهدأ ويحتجب عن الناس. لكن الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني، الذي كان يشتهر بقسوته الدموية وعناده الشديد تصرف بشكل آخر.
تعود جذور هذه القصة إلى عام 685 ميلادية حين توفى جراء المرض، الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع ولم يتجاوز من العمر 33 عاما، وانتقل العرش إلى ابنه جستنيان الثاني وكان فتى في السابعة عشر من العمر.
سرعان ما كشف الملك الجديد عن قسوة دموية لا تعرف الرحمة ورعونة عمياء ما أكسبه كراهية الرعايا والنبلاء البيزنطيين.
في وقت قصير، كرهته جميع الشرائح من الفلاحين إلى الأرستقراطيين بسبب أوامره الفوضوية وطبعه الدموي.
لم يترك استبداد الإمبراطور جستنيان الثاني أي مجال للتفاهم مع محيطه، وسرعان ما اندلعت انتفاضة ضده قادها قائد عسكري يدعى ليونتيوس، مستغلا كراهية شعبية عارمة ضد صاحب التاج، ودعم البطريرك كالينيكوس.
حاول الإمبراطور قمع المنتفضين ضده، إلا أن هؤلاء بادروا إلى مهاجمة حرسه الخاص وإشباعهم ضربا قبل أن يربطوهم بذيول الخيول ويجرونهم في الساحات العامة ثم يحرقونهم وهم أحياء!
جاء الدور على الإمبراطور وقام المتمردون باعتقاله بعد اقتحام قصره. فكر هؤلاء في عقاب مناسب، فوجدوا تقليدا ذا مغزى، كان شائعا في الإمبراطورية البيزنطية.
كانت طريقة تشويه ملامح الوجه بقطع اللسان والأنف شائعة لمعاقبة الحكام المخلوعين في الإمبراطورية البيزنطية، وقد فقد منذ عام 641، ثلاثة من الأباطرة البيزنطيين الستة عروشهم ثم أنوفهم، وانتهى بهم المطاف في المنفى أو سجناء بالأديرة، ولم يبق لهم بعدها من أثر.
كان مثل هذا العقاب للأباطرة المخلوعين يرتكز على القوانين الرومانية التي تنص على عدم جواز أن يصبح الشخص المشلول إمبراطورا، أو أن يتولى وظيفة تتطلب الكمال من كان مصابا بعاهة جسدية ظاهرة للعيان.
بعد أن قبض على الإمبراطور جستنيان الثاني، انتقم منه المتمردون وقاموا أولا بتلطيخه، ثم بادروا إلى قطع أنفه ورأس لسانه لضمان عدم عودته إلى العرش، وأرسل إلى المنفى في مدينة خيرسونيسوس بجزيرة كريت.
على الفور نصب زعيم المتمردين ليونتيوس نفسه إمبراطورا على بيزنطة، إلا أنه خلع بعد فترة هو الآخر، وتولى العرش تيبيريوس الثالث.
لفترة طويلة بقي الإمبراطور المخلوع جستنيان الثاني يعيش حياته في المنفى، إلا أنه لم يستسلم لمصيره ولم يرتهن للعاهتين اللتين أريد بهما كبح جماحه وإهانته ووقف طموحه.
لم يفقد الأمل في العودة إلى العرش على الرغم من فقدانه أنفه ولسانه، تحين الفرص، واستعد بأن صحح ملامح وجهه وطلب من الصاغة صنع نسخة ذهبية يضعها مكان الأنف المقطوع.
صنع الأنف الذهبي وأدخلت عليه تحسينات عدة مرات، وبعد عشر سنوات، هرب من منفاه وتنقل يحشد المرتزقة والمقاتلين، ثم اقترب بجيش جرار في عام 705 من أسوار القسطنطينية.
تمكن ليلا من فتح “بوابة المدينة الذهبية” بعد أن تسلل مع عشرة من مرتزقته عبر مجاري الصرف الصحي، ودخلت قواته المدينة النائمة ليبدا انتقامه الرهيب.
نجح جستنيان الثاني في استعادة عرشه، ولم يتأخر في الثأر من أعدائه، قبض على القائد العسكري ليونتيوس الذي كان قاد التمرد ضده وأشرف على عملية قطع أنفه ولسانه، وأحضره مع الإمبراطور الأخير تيبيريوس الثالث وهما مقيدين، وأمام الجموع الغفيرة وضع قدميه على رأسيهما وهو يلوح بنشوة انتصار بمنديل أبيض في يده.
بعد أن شبع من إذلال خصومه أمر بقطع رؤوس قادة التمرد ضده في “سوق الكلاب”، ورمي أشلائهم في مجاري الصرف الصحي، كما علق الآلاف ممن تمردوا ضده على جدران القسطنطينية.
مع كل ذلك لم تستقر الأمور للإمبراطور صاحب الأنف الذهبي، وسرعان ما تمرد عليه القائد العسكري فيليبيك فاردان، وأطاح به من عرشه.
في هذه المرة، حرص قائد المتمردين الجديد ألا يترك للإمبراطور المخلوع أي فرصة للعودة، وأمر بقطع رأسه، وبذلك طويت صفحة هذا الإمبراطور العنيد والشرس.