ثمانية دنانير وسبعون قرشا، كانت كفيلة بتحويل ثلاثيني من متلازمة داون إلى المركز الأمني للتأكد من احتمالية استغلاله في التسول من قبل ذويه.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تم ضبط أمجد (اسم مستعار) المصاب بـ “داون” وهو يتسول في منطقة الرصيفة على إشارة مستشفى الأمير فيصل الحكومي، ونظرا لتكرار الفعل فقد تم تحويله واثنين من أقاربه من الدرجة الأولى إلى محكمة صلح جزاء الرصيفه بتهمة “تسخير الغير لارتكاب فعل التسول”، وفق ما أوردته يومية الغد.
وتفاصيل القصة، كما وثقتها ملفات القضاء مؤخرا، أثناء قيام لجنة مكافحة التسول بالوظيفة الرسمية في منطقة الرصيفة تم ضبط أمجد وهو يتسول وبحوزته مبلغ ثمانية دنانير وسبعين قرشا. وعليه تم إحضاره إلى مركز أمن ياجوز لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقة.
وبحسب اتفاقية التعاون بين وحدة مكافحة التسول ومديرية الأمن العام، يتم تحويل المتسولين إلى المركز الأمني تمهيدا لعرضهم للقضاء.غير أن المركز” لم يتمكن من أخذ إفادته بسبب حالته العقلية”.
قصة الشاب أمجد واحدة من بين عشرات القضايا من هذا النوع لتي تشير إلى هشاشة الحماية لذوي الإعاقة من الاستغلال بكافة أنواعه، في حين أن الأردن صادق على اتفاقيات دولية منذ العام 2008، نصت بوضوح على أنه “يجب أن يتمتع الأشخاص من ذوي الإعاقة بحماية خاصة، في حالات الخطر والطوارئ الإنسانية، كذلك الحماية من الاستغلال والعنف والاعتداء، والحق في الخصوصية والتقاضي”.
يذكرأن المادة (389) من قانون العقوبات تنص على “يعاقب كل من سخر الآخرين للتسول أو طلب الصدقة بالحبس لمدة لا تقل عن عام”.في حين أن قانون منع الاتجار بالبشر الذي أقر مؤخرا، جرم التسول المنظم وأدرجه كجريمة اتجار بالبشر، مشددا العقوبة في حال كان الضحية دون الـ18 عاما، أو أنثى أو شخصا من ذوي الإعاقة”.
شبهة اتجار بالبشر
وتفاديا لاستغلال الفئات التي تحتاج إلى حماية، ومن ضمنهم الأشخاص من ذوي الإعاقة تم تحويل أقارب أمجد للقضاء الذي كشف أن أمجد يكون”عم الشابين اللذين وجهت لهما المحكمة تهمة تسخيره التسول”. لذلك، وجه مدير التنمية الاجتماعية(الرصيفة) كتابا رسميا يشير إلى “وجود شبهة اتجار بالبشر واستغلال إعاقة عمهم، تم إرسالهم إلى مفرزة البحث الجنائي للتوسع معهم بالتحقيق”.
ابن شقيق المصاب بمتلازمة داون المتهم الأول بقضية “التسخير”، بين أنه “حضر إلى الأردن منذ عدة سنوات، ويسكن مع زوجته وأبنائه، وأن عمه يعاني منذ صغره من عجز في النطق وفي كل يوم يخرج من المنزل إلى الشارع لأخذ صدقات من المارة”.
أما ابن شقيق المتهم الثاني في القضية الذي يسكن في مدينة الرصيفة، فيعمل في مجال البناء (القصارة)، مؤكدا أن عمه “يعاني من أمراض عقلية وهو من ذوي الإعاقة، حيث يقوم بالتعرض للمركبات والمارة في الطريق ويتلفظ بألفاظ نابية وأنه غير متماسك نفسيا وجسديا وزارة التنمية الاجتماعية بين الحين والأخر تقوم بضبطه على الإشارات الضوئية وبعد ذلك يقومون بإطلاق صراحه “. وأكد “أن والدة أمجد تقوم برعايته والإشراف على إطعامه وتقوم بتفقده”.
غير أن، المحكمة أعلنت براءة المشتكى عليهما من “جرم تسخير الغير لارتكاب فعل التسول “خلافاً لأحكام المادة (389) من قانون العقوبات لعدم قيام الدليل القانوني بحقهما بحسب قرار المحكمة.
وتتيح تعديلات قانون “الاتجار بالبشر” للقاضي إصدار عقوبة الحبس بين 6 أشهر و5 سنوات مع الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة بين 3 و10 آلاف دينار على مرتكب جريمة الاتجار بالبشر، وغلظت ذلك في حال كانت الضحية في سن الطفولة أو إمرأة أو من ذوي الإعاقة. المركز الوطني للصحة النفسية يحسم القضية
وللفصل في الحالة العقلية لأمجد المصاب بمتلازمة داون ، استلمت المحكمة التقرير الطبي الصادر عن مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية الذي أكد إصابته بـ”تخلف عقلي متوسط الدرجة ويقدر عمره العقلي بعمر طفل في السادسة” موضحا التقرير بأن أمجد “غير مدرك لأقواله وأفعاله ولا يستطيع المثول أمام المحكمة، وهذه الحالة خلقية منذ الولادة ولا يوجد لها علاج”.
وتنص الفقرة (5) من المادة (233) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه تبين للمحكمة من خلال الرقابة الطبية التي أجرتها بان امجد “لديه اعاقة عقلية فلا يجوز محاكمته إلا بحضور من له ولاية عليه، وإن تعذر ذلك عينت المحكمة محاميا للدفاع عنه”.
وبناء على ذلك، قررت المحكمة “إعلان عدم مسؤوليته ووضعه تحت إشراف مراقب السلوك من سنة إلى خمس سنوات، على أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة قبل ذلك من وضعه في المركز الوطني للصحة النفسية أو أي مأوى علاجي آخر لمعالجته من مظاهر السلوك الخطيرة على الأمن العام التي قد ترافق تخلفه”.
وكانت المديرة التنفيذية لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان لندا كلش، أشارت في تصريحات سابقة بأن “هناك إشكالية بعدم وجود تعريف واضح للتسول المنظم في القانون، لذلك نحن بحاجة إلى تعريف من ديوان التشريع والرأي يوضح ما هيته”.
وزارة التنمية الاجتماعية، تقوم عبر بياناتها الرسمية بإطلاق دعوات مفادها “عدم التعاطف مع ممتهني التسول للمساهمة بالحد منه والتقليل من نسب انتشاره في المجتمع”.
رفض مجتمعي لاستغلال
ذوي إعاقة
ويرى الاستشاري النفسي الاجتماعي موسى المطارنة أن التنمر والتمييز واستغلال الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية (متلازمة داون) “مرفوض دينيا وأخلاقيا وقانونيا “. وعلاجه يبدأ بدمجهم مبكرا في مراحل التعليم والتأهيل وتلقي الدعم والاهتمام من الأهل والمجتمع والجهات المسؤولة معا. وبخاصة ممن تقدم العمر بهم وقد يجهل الأهل أحيانا كيفية التعامل مع احتياجاتهم النفسية والجسدية المتغيرة، فيطلقون لهم العنان في الشوارع.
وبشكل عام، فبعد أن يتم كسر الحواجز الاجتماعية، سيتفهم المجتمع طبيعة مرضهم، ولن يتم تمييزهم أو وصمهم أو استغلالهم في التسول أو أي عمل غير لائق قبل العمل على توفير حياة كريمة لهم. بحسب قوله.
ويشكل ذوي الإعاقة في الأردن ما نسبته 11 % من مجموع السكان، حيث بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة مليونا و200 ألف نسمة، وفق إحصايات المجلس الأعلى للسكان.
وتستغرب رئيسة جمعية الياسمين لأطفال داون، عواطف أبو الرب استمرار تمييز مرضى متلازمة داون، والتسبب في الإساءة لذوي الإعاقات الذهينة الناتج عن اضطراب جيني في زيادة الكروموسومات من 46 لتصبح 47 كروموسوما.
هذا الاضطراب الجيني يختلف من طفل لآخر في شدته، مسببا إعاقة ذهنية وتأخرا في النمو مدى الحياة، وصعوبات في التعلم عند الأطفال المصابين به، بحسب أبو الرب التي لفتت إلى إن التدخل المبكر للمصابين بـ”متلازمة داون”، يمكن أن يحسّن إلى حد كبير نوعية الحياة للأطفال والبالغين الذين يعانون هذا الاضطراب ومساعدتهم على التعايش مع المجتمع.
في تجربة مختلفة لدعم “متلازمة داون”، قررت المعلمة بتول العناني أن تدرس تربية خاصة لتساهم بمعرفتها العلمية والعملية بنشر ثقافة تقبل الآخر في المجتمع، وحتى تدعم شقيقها مجد “متلازمة داون” 24 عاما وتساهم في تطوير حالته النفسية والصحية.
وتواجه العناني جملة تحديات من أهمها تعرض شقيقها لتنمر مستمر من بعض الأشخاص وخوفهم من سلوكياته وبخاصة في الأماكن العامة. وبحسب قولها فإن “الأشخاص المصابين بمتلازمة داون تكون تصرفاتهم دوما تلقائية ويحبون الاختلاط بالناس ومشاركتهم قصصهم بعفوية، ومع ذلك لا بد من حمايتهم من أي استغلال حتى لو كان يمارس من قبل ذويهم”.