رغم مزاعم الاحتلال بأنه سجل إنجازات عسكرية في عدوانه الأخير على غزة، لكن أصواتا إسرائيلية متزايدة بدأت توجه انتقاداتها للعدوان، وآلية تنفيذه، ونتائجه المتواضعة، بزعم أن جيش الاحتلال لا يعمل في غزة، مثلما يعمل في سوريا، حيث يوجه ضربات يومية دون تلقي رد سوري.
صحيح أن السلوك العسكري الإسرائيلي ضد غزة اغتال عددا من القيادات العسكرية الفلسطينية، مما شكل خسارة فادحة، لكن التقييم الإسرائيلي العام للحرب أنها قد تكون نجحت من الناحية التكتيكية، لكن من الناحية الاستراتيجية لم يتحقق أي شيء، بل إن هذه الحرب ذكّرت الإسرائيليين بما أسموه “كابوس” الانسحاب من غزة، بعد 17 عامًا من تنفيذه، وما أسفر عنه من نشوء كيان مسلح يضم العديد من التنظيمات الفلسطينية العسكرية التي تمارس ابتزازا متزايدا باستمرار ضد إسرائيل.
نداف هعتسني الكاتب اليميني ذكر في صحيفة إسرائيل اليوم، أن “العدوان الأخير جدّد ما حصل العام الماضي 2021 حين منعتنا حماس مما أسماه “فرض السيادة” في القدس المحتلة، والآن تلقينا “جولة” أخرى في المعادلة اللامتناهية التي بنيناها بحماقتنا، حتى بات نظام القذائف التي تتساقط علينا من غزة هو القدر المحتوم علينا، وكأن كل ما يمكننا فعله هو محاولة الحد من أضرار كل جولة قتال مستقبلية”.
وأضاف في مقال أن “الطعم الكبير الذي بلعه الإسرائيليون أن حماس، حسب اعتقادهم، بقيت خارج المعركة الأخيرة، وقد نسوا أنها تبني جيشا ينمو بشكل أقوى على حدودنا، لإتقان صواريخه وقدراته الهجومية، وهي تحافظ على قوتها الكاملة المصممة للضغط علينا، وإخضاعنا، عندما يكون الأمر أكثر مناسبة لهم”، بحسب عربي 21.
وحينها فإن الدولة بأكملها ستضطر مرة أخرى إلى حبس أنفاسها، يعاني خلالها سكانها من آلاف الصواريخ وقذائف الهاون، فضلا عن الكلفة المباشرة للقتال على خزائن الدولة بمئات ملايين الشواكل في اليوم، وأضرار الممتلكات والشركات، ناهيك عن الأضرار العقلية”.
مع العلم أن الوضع لا يقتصر على غزة فقط، لأن الوضع في الضفة الغربية ليس أقل سوءا على صعيد الأمن الإسرائيلي، ولعل ما حصل في اغتيال إبراهيم النابلسي مؤخرا دليل على ذلك، مما يدفع الإسرائيليين للاعتقاد أن الفلسطينيين باتوا ينظرون للكفاح المسلح فقط على أنه الطريق الصحيح، لأنهم يرددون رسائل المقاتلين الشهداء، ويرفعونهم إلى درجة المعجزة، ويضعونهم قدوة لأبنائهم.
وبدا لافتا أن الانتقادات الإسرائيلية الموجهة للجيش والحكومة أنهما لا يطبقان نفس النهج الذي يستخدمانه في سوريا وإيران بمهاجمة أي هدف يلوح في الأفق، لكنهما في الوقت ذاته يفشلان في قصّ أجنحة حماس، ومنع قدرتها على ابتزاز دولة الاحتلال، والضغط عليها.
وتشير هذه القراءات الإسرائيلية المحبطة من نتائج العدوان الأخير على غزة، رغم ما تسبب به من خسائر قاسية للمقاومة، إلى أن جيش الاحتلال وحكومته يديرون العلاقة مع غزة بسلوك أشبه ما يكون “بتخبط في الظلام”، وما يقال عن استعادة الردع الإسرائيلي ليس سوى دعاية انتخابية مبكرة، لأن ما سيتجدد من مواجهات قادمة سيعتبر نموذجا سافرا على الفشل والإحباط في أوساط الإسرائيليين، بدليل ذهاب معظمهم إلى الملاجئ.