هلا نيوز – غادة السمان
لم يؤسفني فنياً تعليق لوحة للفنان الهولندي «موندريان» في متحف ألماني رأساً على عقب؛ أي (بالمقلوب)، دون أن يلحظ ذلك أي ناقد أو زائر منذ 77 سنة، واللوحة ليست موقعة، لذا ليست معرفة الرأس من الذيل، وتعليقها كما ينبغي سهل! وأخيراً اكتشف المسؤولون في مدينة دوسلدورف الألمانية ذلك التعليق الخاطئ، مما يدل على رقي النقد الفني! والطريف أن الفنان موندريان يعد من الشخصيات المهمة في الفن الحديث، ولوحته هذه تمثل خطوطاً مستقيمة متقاطعة استوحاها من زيارته إلى نيويورك وناطحات السحاب فيها وأبنيتها.
عمل (إبداعي) إلى القمامة!
من أطرف ما حدث على صعيد النقد الفني العفوي هو ما (اقترفه) أحد عمال التنظيفات في باريس. فقد كان يقام فيها كل عام معرض (الفياك)، أي الفن المعاصر، حيث يكرس المعرض السنوي لأعمال طليعية جديدة لا يخلو بعضها من الغرابة، ويقام سنوياً في القصر الباريسي الكبير (وألغي المعرض منذ انتشار وباء كوفيد). جاء عامل النظافة مبكراً قبل الافتتاح (للفياك) لينظف المكان، وشاهد طاولة مخلعة وعليها ما وجده من قاذورات، فما كان منه إلا القيام بمهمته والقيام بالتنظيف، وحمل الطاولة وما وجده من قاذورات إلى خارج المعرض ووضعه على الرصيف ريثما يأتي عمال جمع القاذورات من شوارع باريس. ما لم يخطر ببال عامل التنظيفات أنه يرمي بـ (عمل فني)!!.. عمل فني امتدحه بعض النقاد!
ترى هل كان هذا (النقد الفني) لعامل التنظيفات هو صحيح وبلا مجاملات، أي حين رمى (بالإبداع) الفني (أي الطاولة وقذراتها) في القمامة على الرصيف.
ابتهاج الصحافة الفنية الفرنسية!
وبعد أقل من ساعة كان العديد من المصورين للصحافة الفنية الفرنسية يلتقطون صورة ذلك (العمل الفني) المرمي على الرصيف في (نقد عفوي) لعامل التنظيفات وانكسر قلب (مبدعه) ولم يعلق على ذلك.
بالمقابل، كان معرض «الفياك» يضم جناحاً للأعمال «الفنية» التي تستحق هذا الاسم، وجاء مرض كوفيد ولا ندري هل سيقام معرض «الفياك» هذا العام أم أن عامل التنظيفات أعلن نهايته!
ظاهرة الانتحار ولبنان
أحاول قدر الإمكان في (لحظة حرية) وأنا أكتبها، عدم انتقاء موضوعات تسبب الغم للقارئ، ولكن لا مفر من قول الحقيقة:
وببساطة، لا بد من الاعتراف بأن «ظاهرة الانتحار تزداد في لبنان بسبب سوء الأوضاع المعيشية»، انهيار لبنان بمعاني الكلمة كلها مالياً وسياسياً وأوضاعاً معيشية حقيقة لا نستطيع أن نغمض العين عنها.
فهل صار كثيرون يفضلون الموت على الحياة في بلد كان يعتبر جنة العالم العربي وسويسرا الشرق، وانهار بمعاني الكلمة كلها.
من المسؤول؟
المرعب في لبنان عدم تحديد المسؤولين عن هذا الانهيار! ومن هم؟ ولماذا لم تتم محاكمتهم بعد إعلان الحقائق كلها؟
من سرق مال لبنان وجعل المودع في البنوك يودع ماله وتغلق البنوك كلها أبوابها وتعامله كسارق حين جاء يطالب بمال أودعه في البنك وتوهم أنه بذلك ينقذه من سارق لبيته.. لم يخطر بباله أنه أودع ماله لدى سارق عصري اسمه البنك.
الانفجار المروع ـ أين المسؤول
حدث ذلك الانفجار في مرفأ بيروت وقتل مئات الأشخاص ودمر بيوتاً كثيرة قريبة منه. من المسؤول عن الاحتفاظ بنترات الأمونيوم في المرفأ؟
المسؤول في لبنان «مبني للمجهول» دائماً.
لا أحد تتم محاكمته عما سببه من أذى ابتداء من اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وصولاً إلى جعل أي مسؤول مبنياً للمجهول.
لا أحد يعاقبه على أذاه للوطن الحبيب لبنان.
والمحصلة من كل ما تقدم، اليأس.
الانتحار أو الهجرة
البعض يختار ركوب قوارب الذهاب إلى أوروبا، وهذا أفضل من الانتحار.. ولكنني يوم جئت من دمشق إلى بيروت لمتابعة دراستي في الجامعة الأمريكية فيها وللحصول على الماجستير قبل السفر إلى جامعة لندن للحصول على الدكتوراه، لم يخطر ببالي أن هذا الوطن الجميل السعيد المدعو لبنان سيصير بعض أولاده ينتحرون هرباً من الفقر وانهيار سعر الليرة اللبنانية وإغلاق بعض البنوك خوفاً من المودعين الغاضبين.
هذا الوطن الذي كان يلقب بسويسرا الشرق وكنا نحلم بالإقامة فيه صار أولاده ينتحرون يأساً! ويبعثون قبل ذلك برسائل صوتية.
الهجرة أفضل!
رسالة محبة إلى من يفكر في الانتحار في لبنان. الهجرة أفضل من الانتحار فهي تترك المجال للعودة إلى الوطن بدلاً من الموت يأساً.
وعلينا أن نتذكر أن كل منتحر هو قتيل، قتله من ساهم في تدمير لبنان. ما من منتحر حقيقي في لبنان بل قتلى مجزرة، هي مجزرة تدمير ذك الوطن والدفع بالكثير من شبابه إلى شرب كأس السم الذي أعده بعض المسؤولين وهم يدمرون هذا الوطن الذي كانت الحياة فيه من زمان حلماً.. وصارت كابوساً..
والمنتحرون يأساً لم يموتوا حقاً كمنتحرين بل كقتلى!