هلا نيوز – عمان
بــ قلم / ممدوح المهيني
عندما تأتي للمحاكمات والملاحقات والفضائح، فإن ترمب يملك جسداً لزجاً. رغم الكم الكبير من الاتهامات بالخيانة السياسية والمالية وحتى الزوجية، إلا أنه خرج منها تقريباً بلا ندوب. لقد فعل شيئاً لم يسبق لأحد فعله، فقد شحن أنصاره وحرضهم على وقف ما سمّاه «سرقة الانتخابات»، كما يصفها في وضح النهار، ما دفع مجاميع غاضبة لاقتحام مبنى الكونغرس. ومع هذا لم يحدث له شيء ونراه مؤخراً يخطب ويسخّن الأجواء تمهيداً لعودته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ترمب صاحب فم كبير. لا يتوقف عن الوعيد والتهديد والسخرية من منافسيه، ولكنه مع هذا حذر ويجيد إخفاء الأدلة. ولديه القدرة على أن يوظف الأحداث لصالحه ويستغل أخطاء خصومه. مداهمة منزله مثال واضح على ذلك. رغم أن الملاحقة قانونية فإنه نجح بذكاء في تصويرها على أنها حرب سياسية هدفها منعه من العودة للبيت الأبيض لإنقاذ الولايات المتحدة من سطوة اليسار المتطرف. وهب أنصاره المخلصون يحملون صوره ويلوّحون بأعلامهم الحمراء، وقالت إحدى النساء الغاضبات: «شعرت بأن البيت الذي اقتحموه بيتي».
هل ما قاله صحيح أم لا؟ في الواقع لا يهم لأنه يخاطب جمهوره المحتقن وقاعدته الانتخابية التي ما زالت تعاني مرارة خروجه ما يزيد على العام ونصف العام. ترمب ليس في نظرهم الرئيس الذي سرقت منه الانتخابات، ولكنه أيضاً الرئيس الذي يعامل كالسفلة ومروجي المخدرات، تنتهك حرمة منزله وتكسر خزائنه الخاصة لتصفيته انتخابياً. لقد وصلت هذه الرسالة واضحة وليس من المستبعد أنه جر أرجل المسؤولين في «إف بي آي» للوقوع في هذا الفخ معتقدين أنه يمتنع عن تسليم أدلة دامغة بحقه. لقد قدموا له أكبر خدمة، حملة دعائية هائلة مجانية، وأعادوه إلى مسرح السياسة التي غادرها مرغماً. ماذا عن الأدلة التي يبحثون عنها؟ على الأرجح أنها الآن كومة من الرماد، فالرئيس السابق يمسح آثار قدميه على وجه السرعة.
ترمب يقف على حافة الهاوية ويدفع غيره ليقع فيها. هذا ما حدث في يوم 6 يناير (كانون الثاني)، إذ زرع الحماسة في أنصاره وبعد فشل المحاولة ذهب لمنتجعه في فلوريدا. لقد حاول مرة محاميه مايكل كوهين الإيقاع به ونشر تسجيلات بينهما كدليل على أن ترمب طلب منه دفع أموال لممثلة إباحية وعارضة أزياء مقابل صمتها. في التسجيلات كان ترمب حذراً في كلماته ولا يقول ما يدينه وكأنه يعرف أن محاميه قد يطعنه في ظهره يوماً ما. لم يُدن ترمب وإنما ذهب المحامي إلى السجن بحكم ثلاثة أعوام وهو يندب حظه، قائلاً: «من المحزن أن أتحمل المسؤولية عن أفعاله القذرة»، وفي قضية التخابر مع الروس والاتهامات بأنهم دعموا حملته الانتخابية، فقد أغرى ترمب بسلوكه اللطيف مع بوتين خصومه الديمقراطيين ليقتنعوا بأن خلف ملمسه الناعم ابتزازاً من الكرملين له. لقد دفعهم للاشتباه به ولهذا السبب سعوا للإطاحة به ولكنه خرج منها منتصراً وبشكل أقوى من السابق.
يستخدم ترمب خصاله هذه الأيام كحيوان سياسي تحركه غرائزه القوية. لم يفقد مهاراته في معرفة ما يغضب الجماهير الهائجة. يضرب على وتر مخاوفها العميقة وهو قادر كأي سياسي محترف على أن يوحدها في مشروع أكبر منها ويضع نصب عينيها العدو الذي يجب الخلاص منه. حتى قبل قصة المداهمة التي تمثل لحظة فارقة وهدية له من السماء، فقد خرج في خطابات ملتهبة تتحدث عن هذه المخاوف المتعلقة بمناحي الحياة المختلفة. لقد خطب الأسبوع الماضي وقال: «لا أصدق أنني أدافع عن حق الآباء فيما يتعلق بتعليم أطفالهم». قضية حساسة استقطابية تتعلق بحق الآباء في معرفة ماذا يحقن في عقول أبنائهم. في الاقتصاد ينتقد التضخم وارتفاع أسعار البنزين ويقارنها بعهده، وفي السياسة الخارجية يوبخ الإدارة الأميركية الحالية بقوله إن بوتين لم يجرؤ على غزو أوكرانيا خلال أربعة أعوام قضاها في البيت الأبيض. وحتى في الصحة قال وهو يلكز بايدن بطريقة غير مباشرة إن طبيبه كان يحب النظر إلى جسده ويعتبر أكثر رئيس أميركي يتمتع بصحة جيدة، في إشارة للرئيس بايدن المتعثر على سلالم الطائرات.
إلى جانب الموتى، فقد كان ترمب الضحية السياسية الأكبر لفيروس «كورونا»، وكل المؤشرات تقول إنه سيرشح نفسه للانتخابات المقبلة ويوظف المداهمات والملاحقات لصالحه. لا أحد يعرف ما إذا كان سيعود للبيت الأبيض أم لا، ولكن يبدو أننا على موعد مع جزء ثانٍ من مسلسل «ترمب»، أكثر سخونة وإثارة من الجزء الأول.