شنت القاذفات الاستراتيجية الأمريكية ” سوبرفورترس بي 29″ غارات بالقنابل الحارقة على طوكيو يومي 10 و11 مارس عام 1945، تعد الأكثر وحشية في الحرب العالمية الثانية بأكملها.
قتلت تلك الغارات المدمرة التي سبقت المحرقة النووية في هيروشيما وناغازاكي، ما يصل إلى 130000 مدني، فيما فقد مليون ياباني منازلهم، واحترق في ذلك الجحيم حوالي 40 في المئة من المساكن الخشبية في المدينة بشكل كامل، واختفت من الوجود أحياء كاملة في العاصمة اليابانية.
تواصل الهجوم الجوي الأمريكي الذي استخدمت فيه 334 قاذفة قنابل من طراز “بي – 29″، على مدار 48 ساعة، وتم حرق ما يقرب من 16 ميلا مربعا من العاصمة اليابانية وما جاورها، في أسوأ عاصفة نارية في التاريخ البشري.
استعد الأمريكيون في جزيرتي “تينيان” و”سايبان” بالمحيط الهادئ لهذه الغارات الوحشية بدقة. نزعوا عن قاذفات القنابل الاستراتيجية “بي – 29” مدافعها باستثناء منطقة الذيل، خفضوا بذلك أوزانها لزيادة سرعتها، ولتتسع سعة حمولتها من القنابل الحارقة بنسبة 65 بالمئة.. هذا الأمر جعل كل قاذفة أمريكية من هذا الطراز قادرة على حمل أكثر من سبعة أطنان من القنابل الحارقة.
كان الأمريكيون يعرفون جيدا أنهم سيفتحون أبواب الجحيم على المدنيين العزل، لذلك حذروا طواقم قاذفاتهم الاستراتيجية من أنهم سيتعرضون لأسوا معاملة من قبل السكان، إذا سقطت طائراتهم أو اضطرت إلى الهبوط داخل الأراضي اليابانية لأن الغارات ستتسبب في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
أقرت خطة الغارات على ضاحية “شيتاماتشي” في وسط مدينة طوكيو قبل ساعات قليلة فقط. كان يسكن هذه الضاحية نحو 750.000 شخص يعيشون في أماكن ضيقة في مبان بأطر خشبية، وكان إضرام النار في هذه ” المدينة الورقية ” بمثابة نوع من التجربة للآثار التي تسببها القنابل الحارقة، علاوة على أنه سيدمر الصناعات الخفيفة، التي تسمى “مصانع الظل”، التي كانت تنتج مواد مخصصة لمصانع الطائرات اليابانية.
في الساعة 5:34 من مساء 9 مارس 1945، أقلعت قاذفات القنابل “بي 29” من قواعدها في جزيرتي سايبان وتينيان، ووصلت هدفها في الساعة 12: 15 من صبيحة يوم 10 مارس.
حلّقت 334 قاذفة قنابل “بي – 29” على ارتفاع 500 قدم فقط، أسقطت حمولتها، ما أدى إلى اندلاع حريق مهول أنعشته رياح بسرعة 30 عقدة، ساهمت في هدم ضاحية “شيتاماتشي” ونشر النيران في جميع أنحاء طوكيو.
سارعت حشود من المدنيين اليابانيين المذعورين والمروعين إلى الفرار من الجحيم، ولكن من دون جدوى. كانت المذبحة البشرية كبيرة لدرجة أن ضباب الدم الأحمر ورائحة اللحم المحترق أثرت على طواقم القاذفات الأمريكية، ما دفعهم إلى الاستعانة بأقنعة الأكسجين.
سجل طبيب كان في مكان المحرقة انطباعاته قائلا: “كانت جثث لا حصر لها وأجساد مغطاة بالملابس، وأجساد عارية، وكلها سوداء متفحمة تطفو في نهر سوميدا. كان المشهد غير واقعي”.
الجنرال الأمريكي كورتيس ليماي المسؤول الذي قاد عمليات القصف الوحشية ضد اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية، كان يعرف بشاعة ما كان يقوم به، وقد صرّح قائلا: ” أعتقد أنه لو أننا خسرنا الحرب ، لكنت قد حوكمت كمجرم حرب”.
لم يتوقف الأمريكيون عند هذا الحد في انتقامهم الرهيب من اليابان، وضربوا هذا البلد مرتين بالسلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي. فعلوا ذلك ولا يزالون من دون حسيب أو رقيب أو وجل، وبضمائر ميتة.