يستذكر الأردنيون في 21 آذار من كل عام يوم الكرامة الذي ضربت فيه القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي قبل 55 عاما، موعدا مع النصر، وتخليد الشهداء الذين كانوا سبب النصر العظيم.
ورصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، حديث البواسل من نشامى القوات المسلحة الذين شهدوا أحداث الكرامة، والتي لم تكن معركة الأردن فقط، بل لحظة فارقة في تاريخ الأمة لاستعادة عزها وكرامتها ومجدها.
وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ بكر خازر المجالي إن معركة الكرامة لم تكن حدثا مفاجئا، بل هي نتيجة عدم قبول الأردن بأية شروط استسلاميه، وتأكيد العزم على محو كل آثار حزيران المشؤوم الذي جعل الغطرسة الإسرائيلية تبلغ منتهاها بحشد جيش كبير لاجتياز نهر الأردن واحتلال أجزاء من غور الأردن، وصولا إلى مرتفعات السلط، فيما كان الجيش الأردني يراقب الحشد، ويستعد للقاء الثأر، رغم قلة ما بيده من السلاح، ولكن بيده الكثير من العزم.
وأضاف، بدأ الهجوم ، وكان الجيش الأردني مرابطا في الجبهة، وكان الأردنيون يراقبون الحدث والبيانات لحظة بلحظة، ويدعون إلى الله أن يمن عليهم بالنصر والتوفيق للجيش الذي كان يخوض معركة حاسمة بقيادة الحسين بن طلال -طيب الله ثراه-.
ويتابع، لم تكن معركة عادية، أو غارة محدودة على هدف محدد يمكن تدميره وإبادته في عشر دقائق فقط، بل كان الهدف هو الجبهة الأردنية الواسعة، وتحطيم صمود الجيش الأردني، وإجبار الأردن على التوقيع على معاهدة سلام منفردة، ولا سيما أن الأردن على الجبهة الأطول، فأراد الإسرائيليون ضمان الأمن لإسرائيل -بحسب زعمهم-، لكن التوقعات الإسرائيلية ردت إلى نحورهم، فكان الثبات والشجاعة والتضحية والصمود غير المألوف هو ما أحال الجبهة إلى نار تحرق جلودهم.
وأكد أن القائد الحسين كان في قلب المعركة يتابع استبسال الجنود، وكل القادة في المحور الشمالي بقيادة قاسم المعايطة، وفي المحور الأوسط بقيادة كاسب صفوق الجازي، وفي المحور الجنوبي بقيادة بهجت المحيسن، يديرون القتال وهمهم إفشال هذا الهجوم المدبر، وثقتهم بجندهم عالية، فكان كل جندي أردني هو جيش انتصار يواجه العدو بحزم وشجاعة.
وبين المجالي أن جيش العدو بدأ يتهاوى، ويطلب رسميا وقف إطلاق النار ، فرفض الحسين -طيب الله ثراه- ذلك، بقوله “كيف اطلب من الجند وقف النار وهم يطاردون فلول العدو ؟ كيف أكسر البنادق في أيديهم ؟ ماذا سيكون ردة فعل الجند الأردنيين حين أوقف انتصارهم ونجاحاتهم وكأنني أصادر هذا المجد الذي يحققوه؟”.
من جهته، قال العقيد الركن المتقاعد هشام الخصاونة شقيق الشهيد سالم، التحق أخي في القوات المسلحة في 6 نيسان 1966 م كمرشح ضابط في دورة المرشحين الثالثة المبتدئة في 7 أيار 1966 حتى 11 / 12 / 1966، ثم تخرج فيها برتبة مرشح، والتحق بعد تخرجه في السلاح المدرع الملكي كتيبة الدبابات 3 الملكية قائدا لإحدى فصائل الدبابات.
ويضيف، شارك أخي في حرب حزيران، واشترك بعد حرب حزيران بدورة تأسيسية الدروع في مدرسة الدروع الملكية، والتحق بوحدته في 1 شباط 1968، وهي كتيبة الدبابات 3 الملكية على الخطوط الأمامية، وبقي مرابطا بوحدته حتى جاء يوم الكرامة الخالدة، وفي الصباح الباكر بدأت المعركة وحمي الوطيس واحتدام الوغى، ودارت مع العدو معركة حامية، فاستشهد سالم وطاقم دبابته، وهم حميد صدف بخيت، ومحمد سالم الرقاد.
من جانبه، قال العميد الركن المتقاعد شهاب أبو وندي ( 80 عاما)، وهو أحد أبطال الكرامة، “كنت برتبة ملازم /2 قائدا للفصيل الرابع من السرية الثانية في كتيبة الدبابات الثالثة، وكان الموقع الدفاعي في عين الفنوش جنوبي العارضة، وقمنا باحتلال المواقع الدفاعية الجديدة بعد الثامنة مساء ليلة 21/3 شرق مثلث المصري.
وأضاف: في الرابعة صباحا استيقظنا وصلينا الفجر جماعة، داعين الله بالنصر أو الشهادة، وعندما بدأت الرماية في الخامسة والنصف صباحا، مررت ذلك لقائد السرية وآمري الدبابات، وعند اقتراب الدبابات الإسرائيلية على مسافة 1200 متر، قسمت الأهداف على الدبابات التي تحت إمرتي، وبدأنا بمشاغلتها، وخلال ساعة واحدة دمرنا عددا من الآليات؛ فتراجع العدو غربا باتجاه مخفر داميا القديم لإعادة التنظيم، ثم عاود الهجوم، وأبلغت آمري الدبابات بالرمي، وبعد اقترابها على مسافة 800 متر بدأنا الرماية من جديد، فتوقفت آليات العدو، وبدأت بالتراجع غربا تجاه الشعاب شرقي مخفر داميا، تاركين الآليات المدمرة على أمل معاودة الهجوم.
ويتابع: طلبت من قائد السرية رماية مدفعية، وأبلغني بأن ضابط الرصد الملازم أول محمد هاشم عريقات فقد الاتصالات، وطلب مني توجيه الرماية على الأهداف المعادية، وأخذت مثلث المصري نقطة مرجع، وطلبت رماية (طلقة تصحيح)، وبدأت أحسب المسافة على أعمدة الهاتف الموجودة، وكانت تقريبا 50 مترا بين كل عمودين، وبعد طلقتي تصحيح أصبنا الأهداف.
ويمضي قائلا : بدأ العدو في الواحدة ظهرا يتقدم بست دبابات؛ اثنتان منها من نوع سوبر شيرمان، وأربع من نوع سينتوريون، وعملت قاعدة إسناد جنوب غرب مثلث المصري على مسافة 200 متر، فتمكنا من رماية هذه القاعدة وتدميرها، بالإضافة إلى آليات الرتل الذي توجه إلى مثلث المصري، وكانت حصيلة الآليات المدمرة ثلاثين آلية من دبابات ونصف مجنزرات، ومدرعات من نوع AMX تحمل مدفعا 90 مليمترا، ومن ضمن هذه الآليات ناقلة عمليات قيادة اللواء الإسرائيلي التي وجد بداخلها خرائط إسرائيلية مؤشر عليها مرتفعات السلط كهدف نهائي.
ويوضح أنه طلب من قائد السرية تزويده بالذخيرة، لكنها لم تصل لشدة القصف الجوي الإسرائيلي، وتقدمت إحدى الآليات التي تحمل الذخيرة في محاولة للوصول، لكنها تعرضت للقصف، واستشهاد قائدها العريف فيصل ابراهيم من مدينة معان، واستشهاد الجندي أول عبدالرحمن محمد كساب الفروخ، وكانت حصيلة الآليات الإسرائيلية المدمرة 87 آلية، بما فيها كاسحة الغام تحمل مدفعا 105 مليمترات.
العميد الركن المتقاعد علي عبد القادر اللواما، قال كنت ضابط موقع في كتيبة المدفعية الثالثة/3 الملكية، وكانت كل الجبهات العربية صامتة ما عدا الجبهة الأردنية بعد حرب 1967 والتي استمرت عليها المناوشات وتبادل القصف بين الجيش العربي والعدو الإسرائيلي، فأعيد تنظيم قواتنا المسلحة في مواقع دفاعية محصنة في المرتفعات الشرقية لنهر الأردن استعدادا لأي عدوان إسرائيلي.
ويضيف: كنت اعمل ضابط موقع برتبة ملازم أول، وكانت المعنويات عالية للاستعداد والتضحية من قبل الجنود والضباط دفاعا عن وطنهم وأهلهم، وتواصوا بالصبر والصمود حتى أن كثيرا منهم أقسموا على القرآن الكريم ألا ينهزموا أمام العدو؛ فإما دحر العدو أو الشهادة، فجرى تحضير مواقع المدافع، وتهيئتها، وتزويدها بالذخيرة المطلوبة، وتحديد الأهداف بحسب الخطة الموضوعة، وتخفية المدافع بشكل كامل حيث السيطرة الجوية الكاملة للعدو.
وبين أنه في الخامسة والنصف من صباح يوم 21/3/1968 وبعد عبور قوات العدو، قامت مدفعيتنا بقصف مدفعي شديد بعد أن اصبح العدو في أرض مكشوفة، وسيطرة عليها من مواقعنا الدفاعية في المرتفعات ما جعل قوات العدو هدفا سهلا لمدفعيتنا، فحدث الارتباك في صفوفه، فأخذ يتقدم تارة، وينسحب أخرى ليعيد تنظيم قواته، وأصبحت التقارير ترد تباعا عن زعزعة معنويات جنود العدو، وتراجعه وخسائره التي كان يمررها على شبكات اتصالهم، ما رفع معنويات قواتنا المسلحة.
ويوضح أن العدو أصدر الأوامر لقواته بالانسحاب ما أثار الفرح ونشوة الانتصار في نفوسنا جميعا، ثم أعلن العدو طلب وقف إطلاق النار لأول مرة في تاريخه، لكن الملك الحسين رفض ذلك، فواصل العدو انسحابه تحت قصف مدافعنا ورشاشاتنا تاركا العديد من آلياته في أرض المعركة، والتي شاهدها الشعب الأردني وعرضتها وسائل الإعلام أيضا.
مدير عام المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء اللواء الركن المتقاعد الدكتور إسماعيل الشوبكي، قال “تعد معركة الكرامة التي سطر خلالها نشامى الجيش العربي بدمائهم الزكية وأرواحهم النقية أنصع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور، مسجلين بذلك النصر التاريخي على الجيش الإسرائيلي المتغطرس، فحطمت آمال العدو وأسطورة الجيش الذي لا يقهر وأذلوا كبرياءه وغروره، ونقشت الكرامة الخالدة بطولات الجيش العربي على صفحات التاريخ المشرق، وظل الجيش العربي عبر تاريخه المجيد المثل في التضحية والبطولة، تفاخر به الأمة وتتباهى، فاستحق كل تقدير واعتزاز في الذود عن حياض الوطن وشرف الأمة