يتناسى تماما أن هنالك شخصا غيره يركب السيارة.. لا يهمه أن يطلع على أحاديث لا تخصه أو يستمع لأدق تفاصيل حياته”، تلك كانت كلمات ربى التي رصدت تجربتها مع أحد سائقي سيارات التاكسي الذي لم يتوقف عن الكلام بهاتفه النقال على مدار عشرين دقيقة، وهي المدة التي تستغرقها الرحلة اليومية من البيت لمكان عملها، اعتقادا منها أنها الوسيلة الأكثر راحة.
تؤكد ربى أنها شعرت بالخجل الشديد جراء حديث السائق مع سيدة بصوت مسموع لم يحاول خلال المحادثة أن ينتقي كلمات أكثر تهذيبا مما تفوه بها وأشاحت بوجهها باتجاه شباك السيارة، متأملة أن ينتهي هذا الكابوس وذلك الكلام الذي لا تطيق سماعه.
تلك التجربة لم تكن الوحيدة لدى ربى، إذ عانت كثيرا مع سائقي التاكسي الذين يستخدمون ألفاظا غير لائقة، سواء على الهاتف أو خلال المسير إذا لم تعجبهم قيادة من بجانبهم، لذا تطالب الجهات المختصة بأن توفر الحلول المناسبة لهذه المشاكل والتأكد من أن سائقي السيارات يؤدون دورهم بشكل جيد وخدمة عالية الجودة، حيث لا تنقطع شكاوى المواطنين من سلوكيات غير مقبولة من قبل فئة لا بأس بها من من سائقي التاكسي، خصوصا المرأة التي غالبا ما تعتمد على التاكسي في التنقل على أساس أنها الأكثر راحة وأمنا.
المشهد كان مختلفا أمام ليلى التي خرجت من بيتها متوجهة الى منزل صديقتها، وفي منطقة تشهد أزمة مرورية؛ حيث أخذ السائق الاتجاه الآخر وبدأ بالصراخ وكيل الشتائم والألفاظ النابية للسائقين في السيارات الأخرى وكأنه يحملها بغضبه وصراخه مسؤولية ما يحدث من أزمة مرورية، وأنه بسببها اضطر للذهاب من تلك الطرق.
يشير علي سائق إحدى سيارات التاكسي، إلى أنه يستعين بسماعة الأذن كلما احتاج لأن يجري مكالمة هاتفية ضرورية أثناء عمله الذي يمتد الى أكثر من 12 ساعة، وأن محادثاته تقتصر على أفراد عائلته في حال حدوث أمر طارئ وينتظر حتى ينهي زبونه الرحلة.
ويعتقد علي أن حديثه في هاتفه الجوال هو حرية شخصية كونه لا يخرج عن الأدب أثناء الحديث ولا يحتاج لأخذ الإذن من الراكب، وفي بعض الأثناء، يكون استعماله للهاتف من باب التسلية بسبب طول مدة عمله، فيستمع من خلاله للأغاني بصوت معتدل أو الحديث مع زملاء المهنة للاستفسار عن حالة الطرق وأماكن تواجد الركاب.
ومن جهته، يقول أحمد أبو حيدر نقيب أصحاب سائقي التاكسي، إن استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة مخالف لقوانين السير حسب المادة 38 التي تنص على “يعاقب بغرامة مقدارها 15 دينارا كل من ارتكب مخالفة استخدام سائق المركبة الهاتف أثناء سير المركبة”، وهذه السلوكيات لدى قلة من سائقي التاكسي، ويؤكد أنهم لم يتلقوا أي شكوى من مواطنين، وإن حدث ذلك وتم تلقي شكوى، يتم تحويلها للقضاء.
ويوجه أبو حيدر المواطنين الى ضرورة التقدم بشكوى لدى الجهات المعنية في حال صدور سلوك غير أخلاقي من قبل سائق التاكسي أو تلفظه بكلمات نابية تخدش الحياء العام.
الاختصاصي الاجتماعي والنفسي مفيد سرحان، يؤكد أن عادة استخدام الهاتف من قبل سائقي سيارات التاكسي والسيارات الخاصة، قديمة ومنتشرة في كثير من البلدان، وفي أحيان كثيرة من دون ضوابط أو احتياطات تقلل من خطورة هذه الممارسات كاستخدام الأيدي ورفع الهاتف وطلب الأرقام وقراءة الرسائل والرد عليها أثناء القيادة.
ووفق سرحان، فإن السائق مهما حاول استخدام احتياطات كالسماعات الخارجية، فإن العقل والذهن سينشغل جزء منهما في التركيز مع المتصل، وهي عادة يمارسها الكثيرون أثناء القيادة ونشاهدها جميعا باستمرار، بل وأحيانا يسمع من هم خارج السيارة جزءا من حديث الطرفين، وخصوصا عن استخدام السماعات الداخلية بتقنية “البلوتوث”.
ويبين سرحان أن أعدادا كبيرة من الأشخاص يستخدمون وسائل المواصلات العامة نظرا لعدم امتلاكهم سيارات خاصة أو لأسباب أخرى سواء كانت هذه الوسائط حافلات كبيرة أو متوسطة أو سيارات مكاتب التاكسي والسيارات التي تعمل بالتطبيقات، وهذه الوسائط يقودها أشخاص يحملون ثقافة المجتمع وعليهم مسؤولية كبيرة باعتبارهم يؤدون خدمة عامة ومؤتمنين على أرواحهم وأرواح غيرهم، وهي مهنة فيها الكثير من المتاعب والتحديات.
وفي كل الأحوال، فإن البعض سواء عند قيادة السيارات الخاصة أو العامة يرى أنه يكون مضطرا للرد أو إجراء بعض المكالمات التي لا يمكن تأجيلها أو أنها لا تؤثر على الراكب، لكن يجب أن تتم في أضيق الحدود ومع اتخاذ جميع الاحتياطات وألا تستغرق وقتا طويلا.
ويردف سرحان أنه في حالة قيادة السائق للسيارات العامة، من الضروري مراعاة أن هناك من يجلس معه وربما يسمع كل ما يقال من الطرفين، وهذا يعني أنه ليس من الضروري رفع الصوت أكثر مما يجب وتجنب الألفاظ التي لا يستحسنها الآخرون، والحرص على اختصار وقت المكالمة، ويمكن استئناف الحديث في وقت آخر يكون سائق المركبة خارج أوقات العمل.
ويوجه سرحان السائقين إلى أنه في حال وجود سيدة أو مجموع سيدات في وسيلة النقل، فإن الحاجة تكون مضاعفة للتدقيق في الكلمات والعبارات وعدم الاسترسال في الحديث احتراما للخصوصية.
الى ذلك، يشعر الراكب بالضيق من انشغال السائق طوال مدة الرحلة بالحديث مع الآخرين واضطراره الى سماع كل المكالمة التي لا تهمه ولا تخصه، ومعرفة تفاصيل خاصة أحيانا من الأفضل ألا يطلع عليها غير أصحاب الشأن.
ويتوسع سرحان بالحديث بأنه يشيع بين بعض السائقين الاتصال مع بعضهم بعضا طوال الوقت يتناقلون فيها أخبار الطريق وتواجد الدوريات وحركة الركاب وأماكن الازدحامات وغيرها وربما دافعهم في ذلك التسلية وإشغال الوقت أكثر من الحصول على المعلومة باعتبارهم يقضون وقتا طويلا وهم يقودون السيارة نظرا لطبيعة العمل وأنه يلزمهم التواصل مع الأهل والأصدقاء.
وفي المقابل، فإن عددا كبيرا من الركاب لا يترددون أيضا في استخدام هواتفهم حتى في الحافلات التي تقل عشرات الركاب وبصوت مرتفع، من دون مراعاة حاجات الآخرين في إنهاء رحلتهم بهدوء ويتكلمون في كل شيء دون ضوابط أو مراعاة لأعمار الركاب أو وجود السيدات.
وكما تسبب محادثات السائقين الضيق للركاب في السيارات الصغيرة، فحديث الراكب المتواصل يسبب الضيق والإزعاج للسائق، فالاحترام والتقدير يجب أن يكون متبادلا ومراعاة مشاعر الآخرين والذوق العام مسؤولية الجميع وتصرف البعض الخاطئ لا يعني أن ينتشر هذا التصرف ويصبح عاما.
مدير دائرة عمليات النقل السابق في أمانة عمان الكبرى عبد الرحيم وريكات، يبين “أن عدد سيارات التاكسي الموجودة في عمان يقارب 11 ألف سيارة تخدم نصف مليون مواطن”، مؤكدا وجود تجاوزات لدى سائقي سيارات التاكسي ولكنها بنسبة غير كبيرة لا يمكن تعميمها على الجميع، ويتم التعامل معها بجدية إذا وردت شكوى على تاكسي بعينه ويعملون على اتخاذ الإجراءات اللازمة إما أن ينذر أو يتم تحويله للقضاء.