هلا نيوز – الاربعاء ٢-٢-٢٠٢٣
داخل حلبة الملاكمة، كان رامز حسام يراوغ لاعباً آخر ضمن منافسات بطولة الجمهورية للشباب ٢٠٢٣، يتصدى لضربة منه ويسدد له أخرى، تلك المباراة كانت خطوته الأولى نحو تحقيق أحلامه. يريد أن “يحفر اسمه في هذه اللعبة بحروف من ذهب” كما حكي والده، لكن ضربة قوية مفاجئة من منافسه، هوت على رأسه، وبعثرت تلك الأحلام قبل أن يسقط مغشياً عليه ويتوفى بعدها بثلاث أيام في المستشفى.
لكن حاسم لم يكن الوحيد الذي فقد حياته بسبب ممارسة لعبة الملاكمة، بل سبقه العديد من اللاعبين الذين فقدوا حياتهم أو تعرضوا لإصابات بالغة أنهت مسيرتهم الرياضية وتسبب في عجز دائم. وبينما اشتكى البعض من العنف المبالغ به من قبل بعض الاعبين الآخرين بدون تدخل صارم من الحكام أو المدربين لمعاقبتهم، يرى البعض الآخر أن رياضة الملاكمة لا تتلقى الدعم الكامل من الحكومة أو من وزارة الشباب سواء ماديا أو طبيا أو حتى معنويا.
اتهامات الإهمال الطبي
حادثة وفاة الملاكم، ذي السبعة عشر عاما، في ١٥ فبراير، أثارت جدلا على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الرياضية في مصر، لما شابها من اتهامات بالتقصير وجهها والد الملاكم وخاله ضد اتحاد الملاكمة في مصر ومنظمي المباراة النهائية وصلت إلى بلاغات في النيابة العامة.
وخرج والد الشاب وخاله في عدد من البرامج التلفزيونية ليتهما منظمي المباراة النهائية بالإهمال والتقصيرِ في متابعة الحالة المرضية للشاب.
وفي حديثه عن وفاة ابنه بالضربة القاضية، قال والد الشاب في أحد البرامج التلفزيونية إن ابنه “تلقى عدة ضربات غير قانونية، ولا يعرف كيف لم يتدخل الحكم ويوقف المباراة”.
وبشأن توفر الاحتياطات الطبية داخل النادي، قال خال الشاب إنه عندما صرخ مستغيثا لإنقاذ بطل الملاكمة الراحل لم يجد مسعفين يلبوا النداء، فاضطر إلى حمله على يديه إلى أقرب مستشفى بجوار النادي”. وأضاف: “الأطباء نصحونا بالتوجه إلى طبيب مخ وأعصاب خارج المستشفى لأنها ليست مجهزة، ووجهوه إلى مستشفى طنطا”.
وفي السياق نفسه، كشفت النيابة العامة المصرية، في بيان لها، الثلاثاء، نتائج التحقيقات في واقعة وفاة الملاكم رامز حسام، نتيجة نزيف في المخ بعد تلقيه “ضربة قاضية” في نهائي بطولة الجمهورية للملاكمة.
وكان رئيس اتحاد الملاكمة، عبد العزيز غنيم، اعتبر في وقت سابق، قبل خروج بيان النيابة العامة، أن وفاة رامز “قضاء وقدر بعد تعرضه لإغماء”.
وقال في تصريحات تلفزيونية إن “الملاكم كان قد خرج من المباراة بكامل صحته، وبعد نصف ساعة من انتهاء المباراة أبلغ الجهاز الطبي بشعور اللاعب بالإعياء، وأنه قد جرى نقله إلى المستشفى العسكري على الفور”، على حسب روايته.
وأضاف أن الفحوصات الطبية شخصت إصابة اللاعب بنزيف حاد في المخ، مشيرًا إلى أنه فور تشخيص اللاعب خضع مباشرة لعملية جراحية فورية لوقف النزيف الذي استمر لأكثر من 6 ساعات متواصلة، وفقا لصحيفة “المصري اليوم”.
ولم يتسن الحصول على رد على ما جاء في بيان النيابة العامة من رئيس اتحاد الملاكمة، عبدالعزيز غنيم، سواء عبر الهاتف أو من خلال الرسائل.
ضعف منظومة الملاكمة في مصر وهروب المواهب للخارج
“ربما تلقت حادث رامز حسام تسليطا إعلاميا واهتماما من قبل المسؤولين، لكن هذا لا يعني أن مثل هذه الحوادث العنيفة لم تحدث من قبل” هكذا بدأ لاعب الملاكمة السابق، كريم سالم، حديثه موضحا أنه “منذ ٣ سنوات، أصيب زميله في أحد المباريات بارتجاج في المخ ونزيف داخلي بسبب ضربة تلقاها من منافسه ليتوفى بسببها بينما كان لايزال في السادسة عشر من عمره”.
ويحكي سالم أنه قرر الاعتزال بعدما رأى بعينه، أثناء انتظاره في المدرجات، كم الإهمال والاستهانة التي تلقاها صديقه وعائلته من قبل المسؤولين، ولسوء الحظ لم يتم تسليط الضوء عليه.
“ضعف منظومة الطب الرياضي بالإضافة إلى ضعف المردود المادي” اعتبرهما سالم، الذي يدرس الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة، هما ما دفعاه والعديد من الملاكمين الآخرين للعزوف عن ممارسة الملاكمة في مصر.
وأضاف: “هل تساءل أحد في وزارة الرياضة أو اتحاد الملاكمة عن السبب الحقيقي الذي يدفع الكثير من الملاكمين في مصر إلى الهروب للالتحاق بنواد في الخليج أو أوروبا؟”. وأوضح أن “الملاكمة رياضة عنيفة وخطرة وتحتاج للمزيد من الاحتياطات تحتاج “ما يتلقوه بالخارج من دعم فني ونفسي ومادي يجذب العديد من المواهب في الملاكمة إليهم، وللأسف تفقد مصر تلك المواهب”.
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فعلى مدار عقد كامل، فقدت مصر خلال العشر سنوات الماضية نحو 350 ألف رياضي (ما يزيد عن ثلث طاقتها من الرياضيين)، لأسباب مختلفة.
ضعف التجهيز الطبي يهدر حياة الرياضيين
محمد عبدالشافي، لاعب ملاكمة سابق، أصيب بعجز في ذراعه الأيمن في إحدى المباريات، قال إن مشكلة رياضة الملاكمة في مصر تبدأ من فكر المدربين الذين يتولون مسؤولية تدريب الأطفال على العنف المبالغ به ضد خصمه بدون الالتزام باللوائح وآداب اللعبة.
وحكي عن ملابسات إصابته، أشار إلى أنه في المباراة التي أصيب بها، لم يكن حكم المباراة على القدر الكاف من الوعي والسرعة ليوقف خصمه ويلغي المباراة.
وتحدث عن افتقار مراكز الشباب في المحافظات لأبسط الإمدادات الطبية اللازمة، وأوضح أنه عندما أصيب بضرر بالغ في يديه، لم يجد طبيبا معالجا في مكان المباراة كما لم يجد أي مستشفى مجهزة على مسافة قريبة. واضطر أهله فيما بعد تحمل نفقات سفره بالخارج ليتلقى العلاج الطبيعي في حين أن هذه مسؤولية اتحاد الملاكمة ووزارة الشباب اللذان لم يقدما أي دعم من أي نوع.
وأوضح الأستاذ في كلية التربية الرياضية ومسؤول تأهيل الإصابات في أحد الأندية، ياسر الحسيني، أن “المشكلة الأكبر في ملف الطب الرياضي بمصر تكمن في عدم وجود وحدات للطب الرياضي داخل الأندية ولا حتى عربات إسعاف مجهزة”. وأوضح أن فريق الطب الرياضي داخل أي منشأة رياضية يجب أن يتكون من طبيب عظام، وطبيب علاج طبيعي، وأخصائي تأهيل رياضي من خريجي كلية التربية الرياضية.
وتوافر هذه الاختصاصات الثلاثة لا يكون سوى في أندية الدوري الممتاز بكرة القدم، وهو أمر في غاية الخطورة، بحسب رضا، الذي يرى أن مراكز الشباب والأندية الأخرى هي القاعدة الأكبر التي يخرج منها الرياضيون في مختلف الرياضات، وعدم توافر الرعاية الطبية فيها يشكل خطورة كبيرة على مستقبل الرياضة في مصر.