هلا نيوز – بسام البدارين
حسنا. يقرأ المذيع على شاشة فضائية «المملكة» الأردنية بيان وزارة الخارجية، الذي أعد بعناية للتحدث عن الموقف الرسمي، بخصوص عملية «بيت حنينا» في القدس، ودون أدنى تلميح «إخباري» لغضب الشارع الأردني من البيان.
القدس ملف مغلق في وجدان الأردنيين، ولا يقبل القسمة على أي «سيناريو»، وما يظهر من تفاعلات على الشاشات الرسمية وشبه الرسمية أن المتداخلين والمتحدثين المستضافين «على الفرازة» لا يريدون فهم ذلك!
أحدهم على شاشة قناة «رؤيا» يصر على تذكير النشامى أنهم يحصلون على مليار و600 مليون دينار من مساعدات الولايات المتحدة، مع أني لا أتصور أن ذلك المبلغ هو الذي دفع الخارجية لاستعمال مفردة «ندين» عملية القدس البطولية.
بلغة الدبلوماسية التوازن مطلوب، لكنه كذلك من الطرف المعتدي أيضا، والذي يتلاعب بأدق حساسيات الوصاية الأردنية «كلما طب الكوز بالجرة»، لكن مراقبة الجدل المحلي تذكرنا بالتوقف عن سلخ جلد الناطق الرسمي، وهو في كل حال سفير ودبلوماسي مقدر يمثل موقف الوزارة وليس موقفه الشخصي.
ما ينبغي أن يفهمه علية القوم الذين يديرون وزارة الخارجية هو ما حصل في أحد المقاهي الشعبية أثناء متابعة كرة قدم على محطة «بي إن سبورت»؛ فجأة همهم القوم، وإذا بالنشوة تتنقل بين الطاولات، وأحد الزبائن يأمر بتوزيع «الكنافة» على رواد المقاهي للتهنئة بـ»عملية القدس»… باختصار وبدون لف ودوران، هذا هو موقف «الشعب الأردني»، وقد لفت أحد المعلقين على قناة 13 الإسرائيلية النظر للأمر وما يتبقى أن تلتفت له أو تمثله ولو جزئيا الحكومة.
طبعا لا نعتقد أن الحصة الأمريكية من المساعدات يمكن أن تنقص أي دولار لو لم يصدر تصريح «الإدانة»، ولو استعمل تصريح الخارجية مفردة «نعزي» مثلا أو «نأسف»، تماما كما استعملته، وحسب تغطية محطة «سي إن إن» المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن بعدما حاصرها المندوب الصيني بموقف متشدد بعنوان «أخلاقيات قوات الاحتلال وازدواجية معايير سقوط مدنيين» فأدانت العملية الفلسطينية وعبرت عن «تعزيتها» لضحايا مخيم جنين.
نعزي. نأسف. ندين
كان يمكن لوزير الخارجية الأردني أن «يعزي أو يأسف» ويعفينا ويعفي حكومته من استفزازات مفردة «ندين».
القصة – شئنا أم أبينا – لها أبعاد دينية، والإحساس الديني في المسألة يزيد وسط الجمهور، كلما ظهر الإرهابي الذي ينتحل صفة مستوطن برتبة وزير، ايتمار بن غفير، على شاشة تلفزيون «كان» الإسرائيلي ليخاطب الأردنيين قائلا إنه سيعود مرة أخرى ويصعد إلى الهيكل «مع الاحترام للأردن»!
قالها بن غفير على طريقة «أحييك وأنتف لحيتك».
«الجزيرة» توسعت في إعادة نشر «تعزية» المندوبة الأمريكية بـ»ضحايا جنين.»
وفي الوقت الذي تنعى فيه واشنطن الضحايا المدنيين في مخيم جنين أدانت واستنكرت، وأظهرت تضامنا مع إسرائيل وشعبها إلى ما لا نهاية، عندما سقط مدنيون هم بالأصل مستوطنون مسلحون برصاص فتى إسرائيلي شهيد.
وهنا أفضل وجوه الازدواجية، والتي كان يلمح لها المندوب الصيني، عندما سألته ممثلة محطة «سي إن إن» فقال: إسرائيل قوة احتلال وتستفز المدنيين .
بالتالي ما ينبغي أن نقرأه نحن كأردنيين على الشريط الإخباري للتلفزيون الأردني، ومعه تلفزيون «المملكة» هو الحقائق، كما هي، فالمدني الفلسطيني سقط في مخيم جنين جراء قوة عسكرية مدربة وبوحدة مستعربين متنكرة، وفيها جنرالات وعقداء وألوية وعمداء، والعملية كانت إرهابية بكل المعاني ضد مخيم مكتظ بالسكان، أما الفتى الفلسطيني الشهيد فعمره لا يزيد على 21 عاما، وهو فكر وخطط منفردا، ولا يمثل أيا من أجهزة السلطة، ولا ينتمي إلى جيش ولا يحمل نياشين، ولا يستعمل صواريخ ضد بيوت مدنين.
ما علينا عموما العودة ممكنة بكل الأحوال لمراقبة سيل اندفاع الفضائيات بعدما تطور الحدث الفلسطيني وهو قابل للتطور الآن.
خصصت قناة «الجزيرة» القطرية المساحة الأوسع للتغطية وبرز الموقف المرتبط بالخارجية الأردنية نسخة طبق الأصل كما عبرت عنه الخارجية الإماراتية.
ذلك يدخل في إطار الحقوق السيادية للدول وفقا لميزان مصالحها، لكن العدو واضح والمعتدي واضح والضحية أوضح، والحديث عن جيش يعتدي على شعب أعزل ويستحق الحماية ومن حق أولاده المقاومة بكل الوسائل التي يمكنهم أن يقاوموا بها .
ومقابل ذلك نسأل: هل يمكن استعارة الفهلوة اللفظية من لسان المندوبة الأمريكية فينعى «جماعتنا» في فلسطين والأردن ومصر والخليج بعد الآن سقوط ضحايا مدنيين بدلا من الإدانة والاستنكار.
أجد صعوبة في تصديق احتمالية الاستفادة من هذا الدرس، فالتصريح اللعوب للمندوبة الأمريكية أبرزته أيضا محطة «بي بي سي»، وهي تنقله في سياق تغطية نقاشات أولية في مجلس الأمن .
والأهم بكل حال أن الشاشات ينبغي – إن لم تكن تستطيع عرض الحقائق كما هي، وهو ما لا يفعله وزراء الخارجية العرب بكل حال – أن تنقل الحقيقة، ولكن من زاويتيها على الأقل.