هلا نيوز
تزامناً مع حالة التوتر والاحتقان، يرتقب أن يصل البلاد، خلال ساعات، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قادماً من القاهرة، ومن المقرّر أن يلتقي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيتها إيلي كوهن، ورئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ.
ووفقاً لتقارير وتسريبات إسرائيلية، فإن بلينكن سيتباحث مع الجانب الإسرائيلي بجملة من القضايا، على رأسها إيران ومحاربة مشروعها النووي، والذي تواصل إسرائيل محاولة إحباطه بعدة وسائل، منها، وآخرها، تفجير منشآت تكنولوجية عسكرية في أصفهان، وفق ما تؤكده وسائل إعلام مركزية في الولايات المتحدة، نقلاً عن مصادر أمريكية وإسرائيلية.
وتوضح مصادر إسرائيلية أن بلينكن سيتناول أيضاً موضوع “الإصلاحات” العميقة التي شرعت فيها حكومة نتنياهو، منذ إطلاقها قبل شهر، وتعتبرها المعارضة انقلاباً على الديمقراطية. ويعتزم بلينكن في محادثاته مع بنيامين نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التشديد على ضرورة “اتخاذ تدابير عاجلة لخفض التصعيد” الحاصل، وفق ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، الجمعة، بعدما دانت واشنطن الهجوم “المروع” في القدس الشرقية. يشار هنا إلى أن زيارة بلينكن قد تم تحديدها وأعلن عنها قبيل موجة التصعيد الأمني الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من المتوقع أن يتباحث بلينكن مع نتنياهو في قضية الأردن وأزمته الداخلية، والعلاقات الإسرائيلية الأردنية، فالأردن قلق جداً من التصعيد.
شأن إسرائيلي داخلي
وقالت إذاعة جيش الاحتلال، في هذا المضمار، إن إسرائيل غير معنية أن تترّكز المحادثات حول الاحتلال والقضية الفلسطينية. منوهة أن الجانب الأمريكي مهتم بالاطلاع على ماهية وعمق “الإصلاحات القضائية”، رغم كونها شأناً إسرائيلياً داخلياً، وهذا ما اعتبرته أمراً شاذاً، ويدّلل على قلق واشنطن من التفاعلات والسجالات الداخلية في إسرائيل.
وقال بلينكن، في مقابلة، إن “الأهم في المستقبل القريب محاولة إرساء بعض الهدوء”، غير أن هامش المناورة المتاح لوزير الخارجية يبدو محصوراً ضمن حدود الدعوات إلى الهدوء، في وقت يبدو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في طريق مسدود، رغم أن إدارة جو بايدن كانت قد أطلقت الكثير من الوعود بضرورة تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قبيل الانتخابات الأمريكية في 2020.
“بابوري رايح رايح بابوري جاي”
ولكن دولة الاحتلال لم تكترث بكل هذه الوعود، وواصلت تعميق التهويد والاستيطان، وانتهاك حقوق الفلسطينيين يومياً، فيما واصل، ويواصل مبعوثون أمريكيون للبلاد والمنطقة زياراتهم المتتالية دون أي جدوى فعلية بالنسبة للقضية الفلسطينية، فالحديث عن السلام وتسوية الدولتين يبقى في الهواء، وعلى الأرض تواصل واشنطن مدّ إسرائيل بالسلاح والحماية الدبلوماسية وتحول دون صدور قرارات إدانة عن مجلس الأمن ضدها، رغم ارتكابها جرائم حرب، كتسمين الاستيطان، وقتل 35 فلسطينياً منذ بدء الشهر. إزاء هذا الزيارات المتتالية للمسؤولين الأمريكيين للبلاد والمنطقة حاملين راية كاذبة تنقش عليها قيم عالية كالسلام وحقوق الإنسان تتبادر للأذهان الأغنية الظريفة “بابوري رايح رايح بابوري جاي”، أو الأغنية الساخرة للثنائي أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام: “شرفت يا نكسون بابا/ يا بتاع الووترغيت” قبيل زيارة نيكسون للقاهرة عام 1974، وقد كانت أول زيارة لرئيس أمريكي لمصر عقب حرب 1973، التي مدت فيها أمريكا دولة الاحتلال بقطار جوي من الذخائر والسلاح والعتاد. ولاحقاً اعتقل أنور السادات الشاعر والمغني فور إطلاق أغنيتهما الساخرة عن الرئيس الأمريكي، الذي لهج لسانه بقضايا السلام، فيما كانت يده تؤازر الاحتلال للأراضي الفلسطينية ولسيناء والجولان.
منع تكرار هبة الكرامة
وعلى خلفية عدم توقع أي أهمية حقيقية لزيارة بلينكن بالنسبة للقضية الفلسطينية، قال الباحث آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق، والخبير في معهد كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، في حديث لـ “الجزيرة”: “أعتقد أن أفضل ما يمكن للأمريكيين التوصل إليه هو أن يستقر الوضع لتفادي تكرار أيار/ مايو 2021″، في إشارة إلى “هبة الكرامة” وعملية “سيف القدس (“حارس الأسوار”، وفق التسمية الإسرائيلية للحرب على غزة). ويرى الخبير في معهد واشنطن غيث العمري أن زيارة بلينكن “لا تشير إلى أي تغيير في الموقف الأمريكي حيال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”، لكنه توقّع ألا تكون المحادثات (مع محمود عباس) مريحة.
القضية الأهم إيران
ومن جملة أهداف واشنطن في زيارة بلينكن، التي سبقتها زيارة لرئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إيه) وليلم بيرينز، وزيارة مستشار الأمن الأمريكي للبلاد، رغبة واشنطن في استئناف العلاقات سريعاً مع نتانياهو، الذي عاد إلى السلطة على رأس حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وكانت علاقات نتنياهو مع إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن متوترة، وخصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، لكن من المتوقع أن يساهم الجمود الحالي في مفاوضات إحياء اتفاق 2015 حول النووي الإيراني في تقريب المواقف. ويبدو أن إيران هي القضية المركزية، وحسابات المصالح الإقليمية هي التي تقف خلف هذه الزيارة، خاصة أن موضوع إيران يرتبط بأمن الخليج وبالوضع داخل سوريا وبالحرب الروسية في أوكرانيا، التي تحظى باهتمام أمريكي واسع، ويزداد قلقها في ظل مواصلة طهران مد الجيش الروسي بمسيّرات قتالية مدمّرة.
الجانب الأمريكي مهتم بالاطلاع على ماهية وعمق “الإصلاحات القضائية”، رغم كونها شأناً إسرائيلياً داخلياً.
زيارات متتالية
وسبق لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان أن زار إسرائيل ليؤكد لنتنياهو دعم الولايات المتحدة، ويقول ميلر في هذا المضمار: “لم يسبق أن رأيت هذا العدد من الزيارات على مثل هذا المستوى الرفيع في أي إدارة أمريكية”. ويضيف: “هذا غير مسبوق”، مشيراً إلى احتمال قيام نتنياهو بزيارة للبيت الأبيض، يجري التحضير لها اعتباراً من شباط/ فبراير. ويقول الخبير ديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن، في حديث لـ “الجزيرة”، في هذا المضمار أيضاً: “يبدو كأنّهم يُغرقون المنطقة، وسيشدد بلينكن على أهمية الحفاظ على الوضع القائم التاريخي في الحرم القدسي”.
يشار إلى أن الإدارة الأمريكية قد استبقت تشكيل حكومة نتنياهو السادسة بإبداء قلقها المعلن من إمكانية تعيين متطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش وزيرين فيها، خاصة أنهما يؤيدان حركة “كاخ” المحظورة في الولايات المتحدة، وقالت إنها تدرس إمكانية عدم التعاون المهني معهما، لكن واشنطن عادت وهذبّت لهجتها وتبنت مواقف مغايرة من هذه الناحية، مختبئة خلف مقولة إنها ستتعامل مع الحكومة، ومع رئيسها المسؤول عن كل شيء بالنسبة لها. كما كان وزير الأمن إيتمار بن غفير، أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف الإسرائيلي، أثار موجة تنديد دولية بدخوله باحة المسجد الأقصى، قبل شهر.
العلاقات الأردنية- الإسرائيلية
وحسب مصادر إسرائيلية أخرى، ستتناول محادثات بلينكن قضايا إقليمية؛ منها “اتفاقات أبراهام”، التي تم التوصل إليها في 2020 برعاية أمريكية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية عدة، ويأمل نتنياهو أن تنضم السعودية إليها. ورجحت هذه المصادر أن يتباحث بلينكن مع نتنياهو في قضية الأردن وأزمته الداخلية، والعلاقات الإسرائيلية الأردنية، فالأردن قلق جداً من التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة مساعي الاحتلال في محو فعلي لـ “الوضع الراهن” في الحرم القدسي الشريف، ويخشى تبعات ذلك على الأوضاع الداخلية المأزومة أصلاً داخل المملكة الهاشمية، وهذا ما يقلق الإدارة الأمريكية التي ما زالت ترى في الأردن حليفاً مهماً، وتطالب إسرائيل بإعادة المياه لمجاريها معه، بعدما أهمل نتنياهو العلاقات الإستراتيجية مع الأردن، بعكس توصيات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة بعد توقيع اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين قبل بضع سنوات.