لم تقض إجراءات فرضتها الحكومة في الآونة الأخيرة، على استلام معلمات لأجور دون الحد الأدنى للأجور أو تقل عن الأجر التعاقدي، تحت طائلة الخوف من الفصل عند الشكوى.
ورغم توقيع المعلمات في القطاع الخاص على عقود عمل تضمن الحد الأدنى للأجور، إلا أن العديد من أصحاب مدارس خاصة يدفعون أجورا أقل عما هو منصوص عليه في العقد.
وأعلنت وزارة العمل خلال شهر تموز/يوليو على لسان وزيرها نايف استيتية، عدم وجود حديث عن رفع الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ حاليا 260 دينارا، في ظل معاناة الأردن من تبعات الأزمة الأوكرانية في الوقت الذي لم يتعافَ فيه بشكل كامل من جائحة كورونا.
وقالت عدة معلمات إن بعض المدارس تقوم بإنهاء عمل المعلمات بعد انتهاء العام الدراسي، لتجنب دفع رواتب لهن خلال العطلة الصيفية، بالإضافة إلى التأخر بصرف الرواتب خلال العام الدراسي، وفقا لتقرير للمملكة.
وقالت معلمة اللغة العربية ربى (36 عاما)، إنه “وأثناء عملها في إحدى المدارس الخاصة براتب شهري قيمته 340 دينارا تم تسجيلها بالضمان الاجتماعي على راتب 300 دينار”.
وأضافت ربى، أن “الرواتب تتأخر شهر ونصف إلى شهرين في دفع الرواتب المستحقة شهرياً ولا يكون كاملاً بل على دفعات، داعية إلى تكثيف الجهود التفتيشية من قبل الجهات المعنية”.
المعلمات “الأكثر تضرراً”
قال رئيس النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص، مازن المعايطة، إنّ المعلمات في المدارس الخاصة، هنّ الأكثر تضررا من مسألة التلاعب والتحايل بالأجور جراء عدم الالتزام بالقانون وما نص عليه عقد العمل الموحد الذي يكفل حقوق الطرفين، وينظم العلاقة بين المعلمين وإدارات المدارس الخاصة.
وشدد المعايطة، على ضرورة تكثيف الرقابة والتفتيش على المدارس الخاصة، وضبط المخالفات العمالية، ولاسيما المتعلقة بحقوق المعلمات، ومنها عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، وعدم تحويل الراتب إلى البنك وفق ما نص عليه العقد الموحد، مؤكدا أهمية دور المعلمات في كشف التحايل على أجورهن ورفض أية ممارسات من شأنها التجاوز على القانون.
وأشار إلى ضرورة الوعي القانوني بالحقوق العمالية من قبل المعلمين والمعلمات وأهمية معرفة حقوقهم المكفولة بموجب القانون وعقد العمل الموحد، لافتا إلى أن النقابة بصدد إطلاق دليل متخصص بهدف زيادة وعي المعلمين والمعلمات بالحقوق المكفولة لهم، الأمر الذي يسهم باتخاذ موقف حازم من قبلهم في رفض أية تجاوزات تطال حقوقهم.
من جهة أخرى، كشفت إحدى المعلمات التي رفضت ذكر اسمها، أن المدرسة التي كانت تعمل بها أجبرتها على ترك العمل بالمدرسة إن لم توقع على اتفاق مع المدرسة على تقاضي راتب 200 دينار رغم تسجيل العقد على 260 دينار (الحد الأدنى للأجور).
“نحن ضحايا ضعف الرقابة والخوف من الشكوى حيث إن نتيجة الشكوى هي إنهاء العقد بكل الأحوال، كما ستساهم الشكوى بصعوبة التعيين في مدرسة خاصة أخرى عند علمها بالشكوى”، تضيف المعلمة.
“تحايل على القانون”
قال رئيس لجنة المعلمين في النقابة لؤي الرمحي، كل عام ومع عودة العام الدراسي، تبرز قضية المخالفات التي تتعلق بعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، من خلال الضغط على المعلمات بإرجاع الفرق بين الراتب الذي تم تحويله إلى البنك وبين المتفق عليه، والذي يكون دون الحد الأدنى للأجور 260 دينارا.
وأوضح، هناك حالات يكون الراتب المحول إلى البنك أقل من الحد الأدنى للأجور.
ولفت الرمحي إلى أن هذه الممارسات تحايل على القانون وتغول على حقوق المعلمات، كما أن بعض المخالفات التي رصدتها النقابة تتمثل بإجبار المعلمات على التوقيع على تعهد بشأن التنازل عن حقهن بتحويل الراتب إلى البنك.
وطالب، بتغيير آلية التعامل مع شكاوى المعلمين، وذلك بتطوير منصة إلكترونية واحدة توفر الربط المباشر مع جميع الجهات المعنية بمتابعة شكاوى العاملين في قطاع التعليم الخاص، وتضم وزارة التربية والتعليم (إدارة التعليم الخاص)، وزارة العمل، ومؤسسة الضمان الاجتماعي، مؤكدا رغبة النقابة بالتعاون في هذا الإطار.
المعلمة رندا منصور، أكّدت أنه تم الاتفاق معها شفهيا من قبل إدارة المدرسة التي تعمل بها على تقاضي راتبا شهريا قيمته 260 دينارا، لكنها كانت تتقاضى 180 دينارا.
وأشارت إلى أنه وعند مطالبتها بإعطائها راتبها كاملاً كما هو منصوص بالعقد، بدأت إدارة المدرسة بتهديدها بعدم وجود وظائف كثيرة ولن تجد أحداً يدفع لها بالكامل.
“بعد أخذ ورد، قررت المدرسة إعطائي راتبي كاملاً شريطة تقديم حصص تقوية إضافية للطلبة ودوامي في بعض أيام العطل الرسمية” وفق منصور.
“إيقاف الترخيص”
ويبلغ عدد المدارس الخاصة في الأردن 3998 مدرسة، ويصل عدد المعلمين والمعلمات إلى 40 ألف معلم ومعلمة في هذه المدارس، وفق أرقام وزارة التربية.
تحدثت وزارة التربية والتعليم، عن عقوبات تصل إلى “إيقاف الترخيص” على مدارس خاصة في حال ثبت أنها لا تمنح معلمين رواتبهم أو غير ملتزمة بالحد الأدنى للأجور، لأن نظام التأسيس والترخيص “يلزم المؤسسة بتحويل الرواتب الشهرية المستحقة للمعلم إلى حسابه البنكي أو إلى محفظة إلكترونية”.
وأضافت، أن “النظام حث فعلا على ضرورة التحويل، والوزارة لا تقوم بتجديد أي رخصة إلا بعد إثبات تسليم الرواتب”.
“مؤخراً صدر من وزارة التربية والتعليم كتاب موجه إلى جميع مديريات المملكة بما فيها محافظة العاصمة لالتزام المدارس بتحويل الرواتب الشهرية للمعلمين للحسابات البنكية الخاصة بهم”، وفق الوزارة.
وقالت مديرة التعليم الخاص في وزارة التربية، نوال أبو ردن: “نحن نحفظ السرية التامة لأي معلم يتقدم بشكوى، لأن لدينا تشكيلات تحكم المدارس الخاصة والتعيينات التي تضمن التأكد من عقود العمل واشتراكهم بالضمان الاجتماعي وأيضا العقد الموحد الذي يكون فيه الحد الأدنى للأجور، بخلاف ذلك يتحمل المؤسس المسؤولية كاملة”.
أبو ردن أكدت أنها “واثقة” من أن أي معلم يعمل في مدرسة خاصة ويتقدم بشكوى “لن يفقد عمله”.
وأشارت إلى وجود “ضابط ارتباط من التعليم الخاص مع وزارة العمل لمتابعة القضايا العمالية”.
(قم مع المعلم)
نظمت حملة (قم مع المعلم) وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية والتعليم، في شهر أكتوبر، مطالبة بالحد من التجاوز على حقوق المعلمين وعدم التزام مدارس بتحويل الرواتب عبر البنوك.
وقالت الحملة في بيان صحفي، إنه “منذ صدور نظام التحويل البنكي لرواتب معلمي ومعلمات المدارس الخاصة عام 2018 الملزم عند تراخيص المدارس الخاصة ونحن ننتظر تطبيقا واضحا من وزارة التربية والتعليم للحد من التجاوز على حقوق على المعلم/ة، والتي للأسف زادت عدد المدارس المخالفة للنظام بسبب عدم تطبيق وزارة التربية الملزم له”.
89% نسبة المعلمات
يبلغ عدد المعلمين في الأردن 130089 معلما ومعلمة في جميع المدارس، وفق منتدى الاستراتيجيات الأردني.
وتشكل نسبة المعلمات نحو 69.5% من إجمالي المعلمين العاملين في جميع المدارس، وترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ في المدارس الخاصة لتصل إلى 89.2%، مشيرا إلى أن هذه النسبة تؤشر إلى اعتماد المدارس الخاصة بشكل كبير على المعلمات أكثر من المعلمين.
وتضم وزارة التربية والتعليم نحو 66% من إجمالي المعلمين في الأردن، في حين يضم القطاع الخاص نسبة 29.2%، والنسبة القليلة المتبقية تتوزع على مدارس “أونروا” والمدارس الأخرى (العسكرية).