في مثل هذه الأيام قبل 24 عاما، اعتذر الخمير الحمر في كمبوديا عن مقتل ثلاثة ملايين شخص خلال عمليات الإبادة الجماعية التي اقترفها نظامهم الدموي في سبعينيات القرن الماضي.
بدأت تلك الحقبة الوحشية بسيطرة فصائل شيوعية متطرفة في أبريل 1975، على العاصمة الكمبودية بنوم بنه، بعد حرب أهلية استمرت خمس سنوات.
وتحت قيادة الأمين العام للحزب الشيوعي، بول بوت، بدأت حكومة الخمير الحمر في تنفيذ فكرتها الطوباوية المتمثلة في بناء مجتمع يتكون حصريا من الفلاحين الكادحين، مستخدمة في ذلك وسائل لا حدود لقسوتها .
ولتحقيق هذا الهدف الغريب، تم القضاء على المعلمين والأطباء والكهنة والمثقفين بما في ذلك، أي شخص يرتدي نظارات، أو يقرأ الكتب، أو يتقن لغة أجنبية، بل وحتى إذا كان يرتدي ملابس لائقة، ولا سيما الأوروبية.
وأضيف إلى كل هؤلاء أولئك الذين يشتبه في علاقتهم مع الحكومة السابقة أو الحكومات الأجنبية أو ثبت أنه مثقف، فمن هم غريبي الأطوار، الخمير الحمر؟
الخمير الحمر، هي حركة يسارية متطرفة في الحركة الشيوعية الزراعية في كمبوديا. تأسست في عام 1968، وتدور أفكارها الرئيسة حول رفض كل شيء غربي وحديث.
كان عدد الخمير الحمر حوالي 30 ألف شخص، قاموا بتعزيز صفوفهم بشكل رئيس بضم المراهقين الأيتام الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاما. هؤلاء كانوا يكنون كراهية لسكان المدينة باعتبارهم “شركاء للغربيين”.
استولى الخمير الحمر على عاصمة كمبوديا بنوم بنه في 17 أبريل 1975، وفرضوا ديكتاتوريتهم العنيفة، وأعلنوا بداية “تجربة ثورية” لبناء “مجتمع شيوعي مائة بالمائة” في “كمبوتشيا الديمقراطية”.
الجريمة الكبرى بدأت مباشرة بعد الاستيلاء على بنوم بنه، حيث بدأت السلطات الجديدة في نقل ما يقرب من مليوني من سكان العاصمة قسرا إلى معسكرات خاصة أقاموها في المناطق الريفية من أجل “تعليم الكدح”.
وطالت عمليات الترحيل هذه سكان مدن أخرى في البلاد. وأعلنت السلطات الجديدة عن خطة لحصاد الأرز وتتمثل في ثلاثة أطنان للهكتار، فيما كان كل ما يجمع في كمبوديا قبل الخمير الحمر أقل من هذا الرقم بكثير.
لتحقيق هذه الخطة” المستحيلة”، أجبر السكان على العمل ساعات طويلة يوميا من دون فترات راحة، ومع تقنين صارم للطعام وسط ظروف صحية رهيبة. وبطبيعة الحال، مات الكثير من هؤلاء من الجوع والإرهاق والمرض.
كما أعلن الخمير الحمر عن صراع لا يرحم ضد “بقايا” الماضي، وقاموا في “معركتهم” هذه بإغلاق المدارس والمستشفيات والمصانع، كما جرى إلغاء النظام النقدي، وتم حظر جميع الأديان، وصودرت جميع الممتلكات الخاصة.
بدأت حكومة الخمير الحمر بشكل منهجي في القضاء على أعضاء الطوائف الدينية والمثقفين والتجار والمسؤولين السابقين، وكذلك أي شخص يعرب عن أدنى معارضة لسياساتها.
وفي يوم واحد، قاموا بطرد أكثر من مليوني شخص من بنوم بنه، ولم يسمح لهم يحمل أي شيء معهم، حيث أجبر جميع السكان على مغادرة المدينة، ومنعوا من التزود بالطعام أو حمل أي شيء من الضرورات. وأولئك الذين رفضوا الانصياع لهذا الأمر أو لم يكن لديهم وقت لتنفيذه، قتلوا بأطلاق النار عليهم، ولم يفلت من هذا المصير، المسنون والمصابون بعاهات، والحوامل ولا المرضى الذين كانوا في المستشفيات.
كان على سكان البلاد أثناء ترحيلهم من المدن إلى الأرياف، السير تحت المطر الغزير، وتحت أشعة الشمس الحارقة، من دون أن يقدم لهم أي طعام أو شراب. وعلى ضفاف نهر ميكونغ فقط، حين تم نقل سكان بنوم بنه إلى مناطق نائية من البلاد، مات حوالي خمسمائة ألف شخص.
أقام الخمير الحمر في جميع أنحاء البلاد ما وصفوه بأنه “أعلى أشكال التعاونيات”، حيث كان الأشخاص الذين تم طردهم من المدن يعملون في اشغال بدنية لا تتطلب مهارت كبيرة. وباستخدام أدوات بدائية أو يدويا، عمل هؤلاء لمدة 16 ساعة في اليوم، وأحيانا لفترة أطول، وقيل لهم إنهم في الطريق على الجنة