شهد يوم 29 ديسمبر من عام 1890، آخر “اشتباك” كبير بين اليانكي والسكان الأصليين. في تلك المذبحة التي يسميها البعض معركة، قتل 300 من الهنود الحمر معظمهم من النساء والأطفال.
مذبحة “الركبة الجريحة” معركة لكنها من طرف واحد، تمكن فيها اليانكي من إخماد تمرد هنود قبائل “لاكوتا”، الذين حاولوا الدفاع عن أراضيهم أمام توسع الجيش الأمريكي وانتهاكه مناطقهم الخاصة، فكان مصيرهم القتل بلا رحمة جنبا إلى جنب مع عائلاتهم.
مرت الأحداث وتعاقب الزمن وتكرست “الركبة الجريحة”، رمزا للقسوة والقتل المجاني، تكرر لاحقا في سلسلة تاريخية طويلة لا حصر لها.
كانت تلك المذبحة ضد قبيلة من “السكان الأصليين”، الاسم الذي يطلقه عليهم الآن المتحضرون من “السكان غير الأصليين”، عملا ثأريا لفوج الفرسان السابع ضد الهنود الذي كانوا قبل ذلك هاجموا بالقرب من نهر ليتل بيغورن في صيف عام 1876، خمس سرايا من هذا الفوج وأبادوها بالكامل. وكان معظم المهاجمين من هنود “لاكوتا”.
المستعمرون الأوروبيون كانوا في ذلك الوقت يزحفون بنشاط على أراض جديدة منتهكين اتفاقاتهم مع الهنود الحمر، علاوة على مواصلة إبادة قطعان البيسون “الثيران الأمريكية”، وفي الغالب كان الهنود يطردون من أراضيهم، ما دفع الهنود إلى الدفاع بالسلاح عن حقهم في العيش على أرض أسلافهم .
جدد الجيش الأمريكي هجومه على “الأمريكيين الأصليين”، واكتشف فرسان أرسلوا لنزع سلاح المستوطنات الهندية معسكرا كبيرا بالقرب من منطقة “الركبة الجريحة” وتقع في الوقت الحالي بولاية ساوث داكوتا.
انطلقت الرصاصة الأولى، وقتل أكثر من ثلاثمائة رجل وامرأة وطفل وسقطوا مضرجين بدمائهم على أرض متجمدة مغطاة بالثلوج. واستعمل الجنود الأمريكيون أيضا السيوف، وطارد سلاح الفرسان الراكضين المرعوبين لبعض الوقت.
بالطبع جرى تحقيق رسمي في الواقعة، وتمت تنحية جيمس فورسيث، قائد فوج الفرسان 7، مؤقتا من القيادة، إلا أنه أعيد في وقت لاحق إلى منصبه، بل وتمت ترقيته.
يقول هيو ماكجينيس، وهو أحد جنود فوج الفرسان وله كتاب بعنوان ” شاركت في مذبحة الركبة الجريحة”: “لا أعتقد أن الجنود رأوا اين تذهب نيران أسلحتهم. أطلقوا النار بسرعة كبيرة، ويبدو أنه في بضع ثوان لم يبق شيء على قيد الحياة أمامنا، سقط المحاربون والنساء والأطفال والخيول والكلاب تحت نيران عشوائية”.
أما الجنرال نيلسون مايلز، الذي زار موقع المذبحة بعد عاصفة ثلجية استمرت ثلاثة أيام، فقد أحصى حوالي 300 جثة مغطاة بالثلوج في المنطقة المجاورة، بما في ذلك على مسافة بعيدة.
تحدث الجنرال عن شعوره بالرعب حين رأى أن الأطفال والنساء العزل الذين يحملن أطفالا بين أذرعهن قد جرت ملاحقتهم وقتلهم بلا رحمة من قبل الجنود على مسافة تصل إلى ميلين من مكان إطلاق النار.
لأكثر من عقد من الزمن، طالب الهنود “الأمريكيون الاصليون” من السلطات “سحب” ما لا يقل عن عشرين ميدالية شرف حصل عليها الجنود والضباط لمشاركتهم في هذه المذبحة.
وبالمناسبة، السلطات الامريكية أقرت عام 1980 بالذنب في الاستيلاء على أراضي قبيلة لاكوتا، ومنحتها تعويضا بعدة مئات من ملايين الدولارات، إلا أن أحفاد الضحايا لا يزالون حتى الآن يطالبون، عبثا باستعادة جميع الأراضي التي انتزعت منهم!
المشكلة أن هذه المذبحة التي جرت قبل 132 عاما، لم تكن الأخيرة من نوعها. ولهذا السلوك جذور لا تزال تقود دفة السياسة الأمريكية، على الرغم من الشعارات البراقة ولواء “الديمقراطية” الذي تهرول به واشنطن في صحاري العراق وفيافي أفغانستان وفي كل مكان من العالم، متجاهلة تماما رؤية دماء الضحايا التي تتراكم على يديها.
الصحفي ليمان فرانك عبر حينها عن مثل هذه الأفكار الوحشية بقوله: “أمننا يتطلب التدمير الكامل للهنود. بعد اضطهادهم لقرون، يجب علينا، من أجل حماية حضارتنا، قمعهم مرة أخرى. وأخيرا محو هذه المخلوقات البرية والجامحة من وجه الأرض. هذا هو مفتاح الأمن المستقبلي لمستوطنينا وجنودنا الذين وجدوا أنفسهم تحت قيادة غير كفؤة. وبخلاف ذلك، ستواجهنا في المستقبل مشاكل مع الهنود الحمر، لا تقل عن السنوات السابقة”.