شهدت صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وروسيا والتي تم بموجبها الإفراج عن نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، عدة مراحل تمكنت خلالها واشنطن من إعادتها إلى بلادها بعد قرابة 10 أشهر من الاحتجاز في موسكو.
وفي وقت مبكر من يوم الجمعة، عادت بريتني غرينر، إلى الولايات المتحدة بعد إطلاق سراحها في صفقة أنهت ملحمة استمرت قرابة 10 أشهر، وسط نزاع بين روسيا وأميركا، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
وأُفرج عن غرينر في صفقة تبادل سجناء مع روسيا مقابل مورد الأسلحة فيكتور بوت وتوجه إلى بلاده، الخميس، لتنتهي ما وصفها الرئيس جو بايدن بشهور من “الجحيم”، وفقا لـ”رويترز”.
وبينما كانت غرينر في طريقها إلى الولايات المتحدة، وصل بوت إلى موسكو.
وتوجهت غرينر البالغة من العمر 32 عاما، إلى سان أنطونيو في ولاية تكساس، وهي حاصلة على الميدالية الذهبية الأولمبية مرتين ونجمة فريق فينكس ميركوري بالرابطة الوطنية لكرة السلة للسيدات.
توترات
تعد صفقة تبادل السجناء هذه حالة نادرة من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا منذ غزو أوكرانيا، وفقا لـ”رويترز”.
وتعكس الأحداث التي استمرت شهورا، التوترات والتناقضات العميقة الجذور في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ غزو موسكو لأوكرانيا، وفقا لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبالنسبة للمسؤولين الأميركيين ، أظهرت الأيام الـ 294 التي امتدت من احتجاز غرينر إلى إطلاق سراحها مدى استعداد روسيا لمعاقبة الولايات المتحدة على دعمها لأوكرانيا ، وكذلك استعداد موسكو للتفاوض مقابل ثمن، حسب تقرير الصحيفة.
وفي 17 فبراير، تم إلقاء القبض على النجمة الأميركية في مطار بموسكو بعد العثور على سجائر إلكترونية تحتوي على زيت القنب، المحظور في روسيا، في حقيبتها، حسب “رويترز”.
وجاء ذلك قبل أسبوع واحد، من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك ، لم تظهر أخبار اعتقالها إلا بعد أسابيع ، عندما نقلتها وسائل الإعلام الحكومية الروسية، حسب “وول ستريت جورنال”.
بحلول ذلك الوقت ، كان غزو أوكرانيا على قدم وساق، وفرض الحلفاء الغربيون الغاضبون من العدوان الروسي، عقوبات شديدة على الحكومة وصناعاتها الكبرى وحتى على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مما أدى إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية.
وخلال أسابيع قليلة، قالت وزارة الخارجية والبيت الأبيض إنهما كانا يتابعان قضية غرينير عن كثب، ويعملان من خلال قنوات دبلوماسية متعددة، بما في ذلك السفارة الأمرييية التي تم تقليص عملها في موسكو.
لكن المسؤولين الأميركيين الذين لديهم معرفة مباشرة بالمداولات قالوا إن الحكومة الروسية “لم تكن متعاونة ولم تستجب في كثير من الأحيان لطلبات الزيارة الدبلوماسية الرسمية”، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.
وفي 3 مايو، صنفت الولايات المتحدة غرينر رسميا على أنها “محتجزة ظلما” وتعهدت بالعمل بقوة أكبر لتأمين إطلاق سراحها حتى مع استمرار القضية القانونية ضدها في قاعة روسيا.
وتمكن المسؤولون القنصليون من السفارة الأميركية في موسكو من زيارة غرينر، على هامش جلسة المحكمة في موسكو في أواخر مايو، لكن الزيارات أصبحت غير متسقة، مما أثار إدانة من واشنطن.
وحيدة ومرعوبة
بحلول شهر يوليو، كانت التأخيرات البيروقراطية واللوجستية سببا متزايدا لقلق غرينر وعائلتها، وفي رسالة مكتوبة بخط اليد إلى الرئيس جو بايدن، قالت غرينر: “بما أنني أجلس هنا في سجن روسي، وحيدة مع أفكاري وبدون حماية زوجتي أو عائلتي أو أصدقائي أو القميص الأولمبي أو أي إنجازات، فأنا مرعوبة من أن أكون هنا إلى الأبد”.
وبعد ذلك بوقت قصير، اعترفت غرينر ، بناءً على نصيحة محاميها بالذنب “على أمل التساهل”، لكن في أغسطس تم إدانتها والحكم عليها بالسجن تسع سنوات، أي أقل بقليل من الحد الأقصى البالغ 10 الذي يطلبه المدعون، حسب “وول ستريت جورنال”.
كواليس الصفقة
عقد البلدان صفقة مماثلة في أبريل، أفرجت روسيا بموجبها عن الجندي السابق بمشاة البحرية الأميركية، تريفور ريد، فيما أطلقت الولايات المتحدة سراح الطيار الروسي قنسطنطين ياروشينكو، وفقا لـ”رويترز”.
وفي أواخر يوليو، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير عادية بالضغط علنا، على ما أسماه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، “عرضا مهما”.
وكان المسؤولون في إدارة بايدن يأملون في أن تكون قضية ريد هي الدافع اللازم لجعل روسيا توافق على مبادلة غرينر ومواطن أميركي آخر يدعى بول ويلان، مقابل تاجر السلاح الروسي.
وأشارت روسيا في ردها إلى أن “صفقة اثنين مقابل واحد غير مقبولة”، وهو ما يقول المسؤولون الأميركيون إنهم توقعوه.
صفقة اثنين مقابل اثنين
قام بيل ريتشاردسون، الحاكم السابق لنيو مكسيكو الذي يدير منظمة خاصة مكرسة لمفاوضات الرهائن، بزيارة روسيا في الخريف وناقش إمكانية مبادلة “اثنين مقابل اثنين”، وفقا لما ذكره مصدر لديه معرفة مباشرة بالمناقشات لـ”وول ستريت جورنال”.
وللوصول إلى صفقة “اثنين مقابل اثنين”، قال المسؤولون الأميركيون إنهم عرضوا خيارات مختلفة اعتقدوا أنها قد تكون ذات فائدة لموسكو، لكن المفاوضين الروس لم يوافقوا على “أي منها”.
وقال المسؤولون الأميركيون إن نظرائهم الروس “طلبوا شيئا لا تستطيع الولايات المتحدة تقديمه”، وكان الأمر تعلق بإطلاق سراح، فاديم كراسيكوف، وهو روسي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في ألمانيا بتهمة القتل، حسب الصحيفة.
وجرت المفاوضات بين واشنطن وموسكو، حتى تم الاتفاق على تبادل لاعبة كرة السلة الأميركية بتاجر السلاح الروسي.
وفي 9 نوفمبر، بعد يوم واحد فقط من الانتخابات الأميركية، أكد محامو غرينر أنها ستنقل إلى سجن روسي لبدء قضاء عقوبتها، وكان ذلك “يمثل بداية مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر في محنتها”.
وظلت الشكوك في أن “موسكو لن تكمل الصفقة” قائمة، حتى هبطت طائرة تقل غرينر في مطار بالإمارات قبل أن يتم نقلها للولايات المتحدة ويتم نقل بوت إلى روسيا.
ولا يبدو أن التبادل يشير إلى انفراج في العلاقات الأوسع، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.
وذكرت وكالات أنباء روسية رسمية نقلا عن الكرملين، الجمعة، أن صفقة تبادل السجناء “لا ينبغي أن تعتبر خطوة نحو تحسن العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن”، حسب “رويترز”.
ونقلت وكالة تاس للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قوله إن العلاقات بين البلدين لا تزال “في حالة مؤسفة”.