هلا نيوز-عمان
حين يهبط الثلج في الأردن، لا يكون مجرد تغير في الطقس، بل حدثًا استثنائيًا يعيد تشكيل يوميات الناس، ويخلق حالة عامة من الترقب والتفاعل. فمنذ اللحظة التي تعلن فيها نشرات الأرصاد الجوية عن اقتراب منخفض قطبي، تبدأ مشاعر الانتظار والتخمين، ويتجدد النقاش حول مدى تأثير العاصفة، وما إذا كانت ستؤدي إلى تعطيل الدوام الرسمي أم لا.
يتحول هذا الترقب إلى ظاهرة اجتماعية، إذ تتسارع وتيرة الحديث حول قرارات التعطيل، وكأنها جزء لا يتجزأ من ثقافة الشتاء. تتداول الأسر خططها لمواجهة البرد، وتزدحم الأسواق بالمتسوقين الباحثين عن المؤن، بينما تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بالمشاركات الساخرة والمناقشات الجدية على حد سواء. لكن وسط هذا المشهد، يبرز سؤال جوهري: هل التعاطي مع الثلج في الأردن ينبع من حب حقيقي له، أم أن العطلة هي الهدف الأهم؟
على المستوى النفسي والاجتماعي، يحمل تساقط الثلوج تأثيرًا مزدوجًا. فهو من ناحية يمنح الناس فرصة للخروج من روتينهم اليومي، إذ تتبدل الأجواء، وتتحول المدن والقرى إلى لوحات بيضاء نادرة الحدوث. ومن ناحية أخرى، يظهر الثلج الفجوات بين من يستطيعون الاستمتاع به ومن يعانون بسببه، حيث تجد بعض الفئات صعوبة في التأقلم مع تداعياته، سواء من حيث انقطاع الطرق، أو تأثر الأعمال اليومية، أو حتى صعوبة الحصول على التدفئة اللازمة.
اقتصاديًا، يُحدث الثلج تأثيرات متباينة. فمن جهة، تنتعش بعض القطاعات مثل محلات بيع الوقود والمواد التموينية، بينما تتوقف أعمال أخرى بسبب تعطل الحركة والمواصلات. هذا التفاوت يكشف أهمية وجود بنية تحتية قوية قادرة على تقليل تأثير الظروف الجوية، بحيث يصبح الثلج عامل تغيير إيجابي، لا سببًا لتعطيل الإنتاج والعمل. وهنا تبرز مسألة مقارنة الوضع في الأردن مع دول أخرى، حيث يعد تساقط الثلوج أمرًا مألوفًا لا يؤدي إلى توقف الحياة العامة، بفضل وجود خطط مسبقة واستعدادات مستمرة للتعامل معه.
لكن بعيدًا عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة منظورًا أخلاقيًا وإنسانيًا. فالتكاتف المجتمعي خلال العواصف الثلجية يصبح ضرورة، لا رفاهية. التعاون بين الجيران، وتقديم العون لمن يحتاجه، وإظهار المسؤولية تجاه الفئات الأضعف، كلها سلوكيات تعكس مدى نضج المجتمع وقدرته على تحويل هذه الظروف إلى مساحة لتعزيز القيم الإنسانية.
في نهاية المطاف، يظل الثلج أكثر من مجرد حالة جوية؛ إنه اختبار لقدرة المجتمع على التكيف، ومدى وعي الأفراد بمسؤولياتهم. فبدلًا من أن يكون مجرد فرصة لانتظار العطلة، يمكن استثماره كوقت للإبداع، والتعاون، وإعادة التفكير في كيفية مواجهة التحديات الطبيعية بروح من المسؤولية والتضامن.